ونظرت الروم إلى رأس إفريطون وقد رفع فانكسروا لذلك انكسارا، وألقى الله تعالى في قلوبهم الرعب فولوا الادبار وكبستهم خيل المسلمين وأخذتهم السيوف، فقتل منهم خلق كثير، وانهزم الباقون على وجوههم وسلموا مدينة المسيحية بجميع ما فيها، فدخلها المسلمون عنوة فقتلوا من قتلوا واحتووا على غنائمها، فبلغت غنيمة المسيحية نيفا على مائتي ألف مثقال من الذهب والفضة سوى الأمتعة والدواب والرقيق.
قال: وهجم عليهم الشتاء بالثلوج والأمطار والبرد الشديد، فأقام المسلمون بالمسيحية تلك الشتوة وهي مدينة من مدن الروم حصينة عامرة كثيرة البساتين كثيرة الخير، حتى إذا انحسر عنهم الشتاء زحفوا منها يريدون مدينة بدروق (1) وبها يومئذ بطريق يقال له لبوس، وكان لبوس عظيم القدر عند ملك الروم، فلما بلغه مسير المسلمين إلى ما قبله بعث إلى ملك الروم فخبره بذلك وسأله المدد، فأمده ملك الروم بخمسين ألفا، واجتمع إليه أيضا نيف على ثلاثين ألفا، فصار لبوس في نيف على ثمانين ألف فارس. قال: ودنا منهم المسلمون والقوم قد أعدوا على سور المدينة المجانيق والعرادات. قال: فكبر المسلمون ثلاث تكبيرات، فامتلأت قلوب الكفار رعبا وخوفا، وتقدم لبوس بطريق بدروق حتى وقف بين يديه وبين يدي أصحابه عن يمينه صليب وعن يساره صليب.
قال: ونظر إليه البطال بن عمرو وقد انبرى من بين أصحابه فأقبل إلى مسلمة بن عبد الملك فاستأذنه في الخروج إليه، فقال له مسلمة: أذنت لك، ولكن انظر أين تضع رمحك! فقال البطال بن عمرو: كفيت أيها الأمير! ليس مثلي من يحتاج إلى الوصية في مثل هذا الوقت. قال: ثم جعل البطال بن عمرو يرتجز ويقول:
قل للأمير ذي الصيال مسلمه * وابن الكرام السادة المكرمة ومقعص الابطال يوم الملحمه * إني أنا البطال جدي علقمة كم ساعد وبيضة وجمجمه * طرحتها عند هياج الغمغمه وأسمر رويته من غلصمه * وأنت محمود بكل مكرمه قال: ثم رفع رأسه وخرج من الصف فجال جولة، ثم حمل على قلب الروم