يا أيها الداعي إلى الجلاد * في حومة الابطال والأنجاد أتاك ليث سلس القياد * ذو صولة يكرهها الأعادي ثم تطاعنا برمحيهما فلم يصنعا شيئا، وتضاربا بسيفهما فلم يصنعا شيئا، فاعتنق كل واحد منهما صاحبه حتى سقطا عن فرسيهما إلى الأرض، فشد عليه العلج بخنجر كان معه فوجأه في نحر فقتله - رحمه الله -. قال: وخرج من بعده يعقوب بن عبد الكريم (1) الأنصاري نحو القسطنطين هذا العلج وهو يقول:
لتذهبن اليوم نفسي أسفا * إذ كنت بعد خمسة مخلفا قد نلت من لذة عيشي ما صفا * حسبي الذي عاينت حسبي وكفا ثم حمل الأنصاري على قسطنطين العلج فقتله. ثم وقف ودعا إلى البراز فلم يخرج إليه أحد، وكاعت الروم بعد قتل قسطنطين.
قال: وجعل مسلمة بن عبد الملك ومن معه من المسلمين يتعجبون من إقدام هؤلاء الفتية على الموت وصبرهم على الحرب، وكل واحد منهم يتلو صاحبه.
قال: والتفت بشر بن مطر الأزدي إلى إخوته الذين بقوا معه يعقوب بن عبد الكريم (1) الأنصاري وأحمد بن محمد اليشكري، ومحمد بن زرعة العبدي، فقال: يا إخوتي! إنه قد قتل منا خمسة ومضوا لسبيلهم ونحن ههنا أربعة ونرجو أن نلحق بهم عن قريب إن شاء الله، ولكن هل ترون ما أرى؟ فقالوا: وما ترى يرحمك الله؟
فقال: ويحكم! إني رفعت رأسي إلى السماء أنظر إلى هذه الغمامة التي (2) قد أظلت هذا العسكر فرأيت عجبا عجيبا، وذلك أني رأيت رجالا لم أر (3) مثلهم ولا مثل صورتهم ساعة قط، ومعهم خيام بيض لم أر (3) على حسنها شيئا، ونظرت إلى نسوة يطلعن علينا من هذه الغمامة ويضحكن إلى إخواننا هؤلاء الذين قتلوا، فهذا ما رأيت. قال: فعند ذلك اقشعرت جلود القوم ووقفت شعورهم، واشتاقوا إلى ما شوقهم إليه صاحبهم بشر بن مطر الأزدي، ثم غلبتهم أعينهم بالبكاء والترحم على إخوانهم، وجعل بعضهم يقول لبعض: إنه يجب علينا الان أن لا نقصر في جهاد هؤلاء القوم الكفار، فعسى الله أن يجمعنا مع إخواننا في مستقر رحمته.