قال: فكان أول من تقدم منهم إلى الحرب يومئذ بشر بن مطر الأزدي وهو الذي رأى ما رأى، فجعل يرتجز ويقول أبياتا مطلعها:
من كان في شك وفي تعامي * فقد رأيت الحور في الغمام صبرا لهذا يا بني الكرام * حتى تحلوا ساحة السلام قال: ثم تقدم محمد بن زرعة العبدي وهو يقول:
إن كان لابد مصيري للفنا * فما مقامي بعد خمس ههنا إن نلت ما أبغي فقد نلت المنى * جنات عدن ليس فيها من عنا قال: ثم تقدم أحمد بن محمد اليشكري وجعل يرتجز ويقول:
لا خير في العيش بعد صحبي * حسبي من العيش حسب حسبي لا أرجع اليوم وأقض نحبي * ثم أحل في جنان ربي قال: ثم حمل هؤلاء الفتية فاقتتلوا قتالا شديدا. وجعل يعقوب بن عبد الكريم (1) الأنصاري يرتجز ويقول:
هيهات مني سفهي وطيشي * أقصد للحصن أمام جيشي قد ذهب السادة من قريش * لا خير لي من بعدهم في العيش قال: ثم حمل يعقوب بن عبد الكريم الأنصاري حملة يريد باب الحصن، قال: ولحقه إخوته الثلاثة حتى صاروا إلى باب حصن طوانة (2)، فجعلوا يقاتلون أشد القتال. قال: وصاح مسلمة بالمسلمين فحملوا وانكشفت الروم من بين أيديهم كشفة قبيحة.
قال: وجعل قوم يقاتلون وقوم ينقبون السور نقبا واسعا، وبادر يعقوب بن عبد الكريم (1) الأنصاري فدخل الحصن من ذلك النقب وجعل يقاتل أهل الحصن وحده، فلم يزل كذلك حتى قطعت إحدى قدميه ووثب قائما على تلك الحالة يقاتلهم على فرد قدم وهو يقول:
أضرب بالسيف على فرد قدم * والحر لا يجزع من وقع الألم