أبياتا مطلعها:
أي هذا الأمير عمرك الله * ولا زلت في الورى منصورا إلى آخرها.
قال: وسار المسلمون نحو السماوة وبها يومئذ بطريق من البطارقة الرومية يقال له إفريطون في ثمانين ألفا من الروم، وقد حصن السماوة قبل ذلك، ونصب على سورها عشرين منجنيقا وثلاثين عرادة. قال: فنزل مسلمة والمسلمون على السماوة ثم أمر بمجانيقه، فنصبت عليها من كل جانب، وترامى الفريقان رميا متداركا، ودام الحرب بينهم أربعين يوما، لا يفترون من ذلك ليلا ولا نهارا.
فلما كان بعد ذلك أقبل بطريق من بطارقة الروم يقال له قرطس إلى مسلمة بن عبد الملك حتى وقف بين يديه في جوف الليل فكفر له وقال: أيها الأمير! إن السماوة حصن حصين، وفيها خلق كثير، وليس يتهيأ لك أن تفتحها إلا أن يفتح لك من داخلها فتدخلها، وإن إفريطون هذا صاحب السماوة قد أساء إلي وغصبني على ابنة لي فأخذها مني قهرا وقد عزمت على أن أفتح لك هذا الباب الذي هو مقابلك، فإذا أصبحت فعبىء أصحابك واقترب من باب المدينة وألق الحرب بينك وبين الروم، وقد أبطال عسكرك في يديك فإني فاتح لك هذا الباب الذي هو مقابلك، قال فقال له مسلمة: إن أنت فعلت ذلك حملتك وكسوتك وبررتك بعشرين ألف درهم وخلطتك بأصحابي. قال فقال له قرطس: أيها الأمير! إذا دخلت المدينة فافعل من ذلك ما أحببت. قال: ثم رجع قرطس إلى المدينة.
فلما كن من غد عبى مسلمة أصحابه كما كان يعيبهم من قبل ذلك، ثم دنا من باب المدينة وهي السماوة (1)، وبين يديه البطال بن عمرو في فرسان من أصحابه.
قال: ثم عطعطت الروم وكبر المسلمون، فاختلط الفريقان واشتبك الحرب على باب المدينة، وفتح ذلك البطريق الباب، واقتحم المسلمون معه فجعلوا يقتلون ويأسرون. قال: وفتح إفريطون بابا آخر من أبواب السماوة وخرج هاربا على وجهه ومعه خلق كثير من أصحابه حتى صار إلى المدينة من مدن الروم يقال له المسيحية. (2) قال: فضم المسلمون ما كان فبلغت غنائمها ألف ألف وثلاثمائة ألف