الشام! لا شام لكم، ويا أهل العراق! لا عراق لكم، ويا أهل مصر! لا مصر لكم إن أنتم وليتم الادبار، اليوم يعلم الله منكم حسن الصبر واليقين. قال: ونادى محمد بن مروان وقال: يا أهل الاسلام! أما تستحيون أن ينهزم أهل الدين والقرآن من بين أيدي الكفرة وعبدة الصلبان! أما ترغبون فيما رغبكم فيه ربكم وأتاكم به نبيكم النصر! والله ينصركم ويثبت أقدامكم.
قال: فعندها صدقت عزيمات المسلمين وتراجعوا إلى الروم، والتحم القتال، وحمل نقفور وحده من بين أصحابه على مسلمة بن عبد الملك فضربه ضربة على بيضته نكسه إلى الأرض، ثم صاح بالروم فحملوا على المسلمين حملة كادوا أن يزيلهم عن مواقفهم غير أنهم ثبتوا للروم وأشرعوا الرماح في وجوههم ورشقوهم بالسهام، ورجعت الروم إلى ورائها، ووثب مسلمة فاستوى على فرسه ثم نادى بأعلى صوته: أيها الناس! إلي إلي! أنا مسلمة بن عبد الملك! يوجب الله لكم الرضوان. قال: فاجتمع عليه الناس ثم تواصوا بالصبر، ووغط بعضهم بعضا، وحملوا على الروم كحملة رجل واحد ووضعوا فيهم السيوف. قال: وكان نقفور أول قتيل. قال: وعلمت الروم بقتل نقفور فولوا الادبار والسيف يأخذهم، حتى صارت القتلى بينهم كالتلول بعضهم على بعض. قال: وسبق البطال بن عمرو وجماعة من المسلمين إلى باب مدينة نقفور (1)، فهجموا على أهلها فقتلوا من قدروا عليه، وأقبل مسلمة في جماعة من المسلمين حتى أحاطوا بالمدينة، فاجتمعوا عليها وغنموا ما فيها. قال: وبلغت غنائم نقفورية (1) مائة وثمانين (2) ألف مثقال من الذهب والفضة سوى الدواب والأمتعة والرقيق. قال: وعرض مسلمة أصحابه، فإذا قد قتل منهم في نطوانة وعمورية والنقفورية ثمانمائة إنسان ما بين فارس وراجل. قال: فأخرج مسلمة الخمس من تلك الغنائم فوجه بها إلى أبيه عبد الملك بن مروان (3)، وقسم باقي ذلك على المسلمين.
ثم نادى بالرحيل وسار يريد السماوة الكبرى (4)، فأنشأ بعض المسلمين يقول