وكان عارفا بالفقه على مذهب أبي حنيفة ليس عنده فيه تعصب وسمع الحديث وأسمعه طلبا للأجر.
وأما عدله فإنه لم يترك في بلاده على سعتها مكسا ولا عشرا بل أطلقها جميعا في مصر والشام والجزيرة والموصل وكان يعظم الشريعة ويقف عند أحكامها وأحضره إنسان إلى مجلس الحكم فمضى معه إليه وأرسل إلى القاضي كمال الدين بن الشهرزوري يقول قد جئت محاكما فاسلك معي ما تسلك مع الخصوم وظهر الحق له فوهبه الخصم الذي أحضره وقال أردت أن أترك له ما يدعيه إنما خفت أن يكون الباعث لي على ذلك الكبر والأنفة من الحضور إلى مجلس الشريعة فحضرت ثم وهبته ما يدعيه.
وبنى دار العدل في بلاده وكان يجلس هو والقاضي فيها ينصف المظلوم ولو أنه يهودي من الظالم ولو أنه ولده أو أكبر أمير عنده.
وأما شجاعته فإليها النهاية وكان في الحرب يأخذ قوسين وتر كشين ليقاتل بها فقال له القطب النشاوي الفقيه بالله عليك لا تخاطر بنفسك وبالإسلام فإن أصبت في معركة لا يبقى من المسلمين أحد إلا أخذه السيف فقال نور الدين ومن محمود حتى يقال له هذا من قبلي من حفظ البلاد والإسلام ذلك الله الذي لا إله إلا هو.
وأما ما فعله من المصالح فإنه بنى أسوار مدن الشام جميعها وقلاعها فمنها دمشق وحمص وحماة وحلب وشيزر وبعلبك وغيرها وبنى المدارس الكثيرة للحنفية والشافعية وبنى الجامع النوري بالموصل وبنى البيمارستانات والخانات في الطرق وبنى الخانكاهات في جميع البلاد وأوقف على الجميع الوقوف الكثيرة سمعت أن حاصل وقفه كل شهر تسعة آلاف دينار صوري. وكان