كان ينبغي أن لا تؤخر إحضارنا إلى أن يشتد بك المرض الآن وينبغي أن تعجل الانتقال من هذا الموضع إلى مكان فسيح مضيء فله أثر في هذا المرض وشرعنا في علاجه وأشرنا بالقصد فقال ابن ستين لا يقتصد وامتنع منه فعالجناه بغيره فلم ينجع فيه الدواء وعظم الداء ومات رحمه الله ورضي عنه.
وكان أسمر طويل القامة ليس له لحية إلا في حنكه وكان واسع الجبهة حسن الصورة حلو العينين وكان قد اتسع ملكه جدا وخطب له بالحرمين الشريفين وباليمن لما دخلها شمس الدولة بن أيوب وملكها وكان مولده سنة إحدى عشرة وخمسمائة وطبق ذكره الأرض بحسن سيرته وعدله وقد طالعت سير الملوك المتقدمين فلم أر فيها بعد الخلفاء الراشدين وعمر بن عبد العزيز أحسن من سيرته ولا أكثر تحريا منه للعدل.
وقد أتينا على كثير من ذلك في كتاب الباهر من أخبار دولتهم ولنذكر ههنا نبذة لعل يقف عليها من له حكم فيقتدي به فمن ذلك زهده وعبادته وعلمه فإنه كان لا يأكل ولا يلبس [ولا يتصرف] إلا في الذي يخصه [إلا] من ملك كان له قد اشتراه من سهمه من الغنيمة ومن الأموال المرصدة لمصالح المسلمين ولقد شكت إليه زوجته من الضائقة فأعطاها ثلاث دكاكين في حمص كانت له يحصل له منها في السنة نحو العشرين دينار فلما استقلتها قال ليس لي إلا هذا وجميع ما يبدي أنا فيه خازن للمسلمين لا أخونهم فيه ولا أخوض نار جهنم لأجلك.
وكان يصلي كثيرا بالليل وله أوراد حسنة وكان كما قيل:
(جمع الشجاعة والخشوع لربه * ما أحسن المحراب في المحراب)