في العام الماضي، وأراد نور الدين قصد مصر وأخذها منه أرسل يعتذر ويعد من نفسه بالحركة على ما يقرره نور الدين فاستقرت القاعدة بينهما أن صلاح الدين يخرج من مصر ويسير نور الدين من دمشق فأيهما سبق صاحبه يقيم إلى أن يصل الآخر إليه وتواعدا على يوم معلوم يكون وصولهما فيه فسار صلاح الدين عن مصر لأن طريقه أبعد وأشق ووصل إلى الكرك وحصره.
وأما نور الدين فإنه لما وصل إليه كتاب صلاح الدين برحيله من مصر فرق الأموال وحصل الأزواد وما يحتاج إليه وسار إلى الكرك فوصل إلى الرقيم وبينه وبين الكرك مرحلتان فلما سمع صلاح الدين بقربه خافه هو وجميع أهله واتفق رأيهم على العود إلى مصر وترك الاجتماع بنور الدين لأنهم علموا أنه إن اجتمعا كان عزله على نور الدين سهلا.
فلما عاد أرسل الفقيه عيسى إلى نور الدين يعتذر عن رحيله بأنه قد استخلف أباه نجم الدين أيوب على ديار مصر وأنه مريض شديد المرض ويخاف أن يحدث حادث الموت فتخرج البلاد عن أيديهم وأرسل معه [من] التحف والهدايا ما يجل عن الوصف فجاء الرسول إلى نور الدين وأعلمه ذلك فعظم عليه وعلم المراد من العود إلا أنه لم يظهر للرسول تأثرا بل قال له حفظ مصر أهم عندنا من غيرها.
وسار صلاح الدين إلى مصر فوجد أباه قد قضى نحبه ولحق بربه وكلمة تقول لقائلها دعني وكان سبب موت نجم الدين أنه ركب يوما فرسا بمصر فتفر به الفرس نفرة كبيرة شديدة فسقط عنه فحمل إلى قصره وقيذا وبقي أياما ومات في السابع والعشرين من ذي الحجة وكان خيرا عاقلا،