وأيضا فإنا قد اتفقنا على أن النهي عن الإيجاب يستحق مرتكبه الذم مع عدم الوعيد مذكورا في اللفظ فانتقض بذلك ما أحلت من امتناع إثبات الوعيد إلا بلفظ ينبئ عنه وأيضا فإن هذا السائل إن كان ممن يقول إن ظاهر لفظ الأمر إنما يقتضي الدلالة على حسن الشئ المأمور به وكونه ممدوحا مرغبا فيه فإنه قد أثبت له ضربا من الثواب بفعل المأمور به وليس لفظ الأمر عبارة عن استحقاق الثواب فما ينكر من اثبات الوعيد على تاركه وإن لم يكن اللفظ عبارة عنه وأيضا معلوم في تعارفنا وعاداتنا أن من أمر عبده بفعل شئ فتخلف عنه استحق التعنيف وإن لم يكن ما يستحقه من ذلك مذكورا في اللفظ بل كان معقولا منه من حيث عقل وجوب الأمر وأما من قال إني اجعله على الإباحة حتى تقوم دلالة الندب أو الإيجاب فإنه يطالب بإقامة الدلالة على ما قال فلا سبيل له إليها ويقال له فإذا قامت دلالة الإيجاب كان اللفظ مستعملا فيه حقيقة أو مجازا فإن قال حقيقة قيل له فهلا حملته على الإيجاب إذا كان مقتضاه من غير دلالة تطلبها من غيره فإن قال يكون مجازا في الإيجاب أكذبته اللغة وخرج عن قول الأمة ويقال له مع ذلك أيضا ما أنكرت أن لا يدل على الإباحة أيضا لأنه قد يرد ولا يراد به الإباحة كقوله تعالى اعملوا ما شئتم فيؤدي هذا القول اللفظ إلى إسقاط فائدته رأسا
(١٠٠)