المراد نقل المتعبد بالحكم إلى حكم غيره فإنه لم يحصل فيه نقل بأن يتعبد بحكم غير الأول فعلمت أن الاسم إن كان موضوعا للنقل في أصل اللغة حقيقة فإنه مجاز في الحكم فكأنه إنما سمي بذلك على جهة التشبيه لأن النقل يوجب تغيير المنقول عن الحال التي كان عليها إلى غيرها فشبه تغيير الحكم في الثاني بالنقل وعلى أن نسخ الكتاب إنما يسمى نقلا مجازا أيضا لا حقيقة لأن المكتوب بدءا هو باق في موضعه غير منقول عنه وإنما سمي ما نسخ منه منقولا تشبيها له بالشئ المنقول من مكان إلى غيره فلم يحصل معنى النسخ أنه نقل ما في الكتاب ولا في الأحكام إلا مجازا وأما من قال النسخ هو الإزالة في اللغة فإنه لا يرجع منه أيضا إلا إلى المجاز في اللغة والحكم جميعا لأن قولهم نسخت الرياح الآثار قد يطلق في الريح إذا أعفت آثار الديار بأن سفت عليها التراب فأخفتها قد وهي باقية كما يقال عفت الديار ودرست ويدل عليه أيضا أنه لا يصح إطلاق النسخ على كل مزال لأنه لو أزال جسما من مكان إلى غيره لم يجز أن يقال له أنه قد نسخه فلما كان من الأشياء المزالة ما ينتفي عنه اسم النسخ دل ذلك على أن إطلاق لفظ النسخ في إزالة الريح الأثر مجاز لا حقيقة وهو في الحكم أيضا كذلك لأن الحكم الأول لا يصح إزالته بعد ثبوته إذ كان المأمور به بعينه غير جائز أن يكون منهيا عنه فلم يكن هناك حكم أزيل بالنسخ وإنما النسخ يبين أن مثل ذلك
(١٩٦)