البداء ولا يجوز على الله تعالى إذ هو العالم بالعواقب فغير جائز أن يبدو له علم شئ لم يكن علمه في الأول فثبت بذلك أن معنى النسخ في الشرع ما وصفنا وعلى أي وجه كان معنى النسخ في اللغة فإنه لا يخل بمعناه في الشرع لأنه إذا كان معلوما وقوعه في الشرع على الحد الذي وصفنا وقد أريد به معنى ليس الاسم موضوعا له في اللغة فقد صار اسما شرعيا قال الله تعالى ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها وليس في اللغة أن توقيت المدة فيما كان يظن بقاؤه ودوامه يسمى نسخا فثبت أنه اسم شرعي ويدل على أنه اسم شرعي إطلاقه في أوامرنا لمن تلزمه طاعتنا من عبيدنا ومن تحت أيدينا وأن هذا الاسم مخصوص بأحكام الشرع وليس كل ما بين به مدة الحكم يسمى نسخا لأنه لو كانت المدة معلومة مع ورود الأمر بأن قال صلوا في هذا اليوم ولا تصلوا في غيره لم يكن زوال الأمر بمضي الوقت نسخا لأنا قد علمنا عند ورود الأمر توقيت مدته وإنما يطلق اسم النسخ فيما يكون في توهمنا وتقديرنا تجويز بقائه على الدوام فيأتي الحكم الناسخ ويبين أن ما كان في تقديرنا من بقاء الحكم غير ثابت وأن مدة الحكم الأول قد انقضت ومن الناس من يظن أن النسخ رفع الحكم وهذا جهل مفرط وذلك لأن ما ثبت من الأحكام لا يجوز رفعه لأنه يدل على البداء وإنما يدلنا النسخ أن الحكم المنسوخ لم يكن مرادا في هذا الوقت
(١٩٨)