كل الأولان لا يختلف حكم سائر المكلفين فيهما ألا ترى أنه لا يصح أن يكون بعض المكلفين مأمورين بالتوحيد وتصديق الرسول عليه السلام وبعضهم منهيون عنه أو مباحا لهم تركه والإعراض عنه وكذلك لا يصح أن يكلف بعضهم مجانبة المقبحات في العقل من نحو كفران النعمة والكذب وتكذيب الرسل ويؤمر بعضهم بارتكابها فلما لم يختلف حكم سائر المكلفين في هذين البابين في زمان واحد لم يختلف حكم سائر المكلفين فيها في الأزمنة المختلفة فلم يجز من أجل ذلك ورود النسخ فيهما ولما جاز في غيرهما مما وصفنا اختلاف أحكام المكلفين فيها في الزمان الواحد جاز مثله في الأزمنة المختلفة فيتعبدون بالحظر في زمان وبالإيجاب أو الإباحة في زمان غيره وأما الخبر الوارد عن الله تعالى وعن رسوله صلى الله عليه وسلم فإنه ينتظم معنيين أحدهما العبادة باعتقاد مخبره على ما أخبر به فهذا ما لا يجوز نسخه ولا تبديله ولا التعبد فيه بغير الاعتقاد الأول والمعنى الآخر حفظه وتلاوته وهذا مما يجوز نسخه بأن يأمر بالإعراض عنه وترك تلاوته حتى يندرس على مرور الأزمان فينسى كما نسخت تلاوة سائر كتب الله تعالى القديمة كصحف إبراهيم وكثير من الأنبياء عليهم السلام قد نسخت تلاوة حتى صارت لا يتلوها أحد ولا يحفظها
(٢٠٣)