على وفق العلم، حيث إن العلم بوجود الأسد - مثلا - في الطريق يقتضي الفرار عنه. ثم إن المجعول في باب الأصول المحرزة هو الجهة الثالثة، فهي قائمة مقام القطع الطريقي بالجهة الثالثة.
قلت: نعم هذا حاصل ما أفاد بعض مشايخ العصر - على ما في تقريرات بحثه (1) - لكنه مما لا أساس له، فإن قيام شئ مقام شئ بواسطة الجعل إنما هو بنحو من التنزيل، ولابد فيه من لحاظ المنزل والمنزل عليه ومن كون الجعل بعناية التنزيل، وإلا فمجرد كون لسان الجعل هو البناء على الإتيان أو المضي وعدم الاعتناء بالشك عملا - كما هو مفاد أدلة القاعدة - لا يقتضي قيامها مقام القطع.
وبالجملة: كما أن في الأمارة المجعولة لابد من إعطاء صفة اليقين وإطالة عمره تعبدا، وهذا لا يمكن إلا بعد لحاظ الطرفين ولحاظ الآثار المترتبة على اليقين شرعا أو عقلا، كذلك في الأصل المحرز لابد من إعطاء أثر اليقين بما أنه أثر اليقين حتى يقوم مقامه، وإعطاء أثره بما أنه أثره لا يمكن إلا بعد لحاظ الطرفين وكون الجعل بعناية إعطاء الأثر، مع أنه في أدلة الفراغ والتجاوز لاعين ولا أثر يفيد هذا المعنى، بل لسان أدلتها هو المضي وعدم الاعتناء بالشك عملا، بلا نظر إلى اليقين وآثاره، ولا شائبة تنزيل فيها أصلا. وما في رواية حماد بن عثمان من قوله - عليه السلام -: (قد ركعت) (2) وإن يدل على البناء العملي على الإتيان،