لماذا لا يفترض كون المغيى إباحة واقعية. كان الجواب منه ان الإباحة الواقعية والنهي الواقعي الذي جعل غاية متضادان فان أريد تعليق الأولى على عدم الثاني حقيقة فهو محال لاستحالة مقدمية عدم أحد الضدين للضد الآخر، وان أريد مجرد بيان ان هذا الضد ثابت حيث لا يكون ضده ثابتا فهذا لغو من البيان لوضوحه.
ويرد على هذا الوجه: ان النهي عبارة عن الخطاب الشرعي الكاشف عن التحريم وليس هو التحريم نفسه، والقضاء نفسه لا يقتضي تعليق أحد الضدين على عدم الضد الآخر ولا على عدم الكاشف عن الضد الآخر، ولكن لا محذور في أن توجد نكتة. أحيانا تقتضي إناطة حكم بعدم الكاشف عن الحكم المضاد له ومرجع ذلك في المقام إلى أن تكون فعلية الحرمة بمبادئها منوطة بصدور الخطاب الشرعي الدال عليها نظير ما قيل من أن العلم بالحكم من طريق مخصوص يؤخذ في موضوعه.
الثاني: - ان الورود يستبطن دائما حيثية الوصول ولهذا لا يتصور بدون مورود عليه، ولكن هذا المقدار لا يكفي أيضا إذ يكفي لاشباع هذه الحيثية ملاحظة نفس المتعلق مورودا عليه، فالاستدلال بالرواية إذن غير تام، وعليه فلا اثر للحديث عن النقطة الثانية.
ومنها: حديث الرفع المروي عن النبي صلى الله عليه وآله. ونصه " رفع عن أمتي تسعة: الخطأ، والنسيان، وما اكرهوا عليه، وما لا يعلمون، وما لا يطيقون، وما اضطروا إليه، والحسد، والطيرة، والتفكر في الوسوسة في الخلق، ما لم ينطق بشفة " (1). والبحث حول هذا الحديث يقع على ثلاث مراحل:
المرحلة الأولى: في فقه الحديث على وجه الاجمال، والنقطة المهمة في هذه المرحلة تصوير الرفع الوارد فيه فإنه لا يخلو عن اشكال لوضوح ان