يكن هناك يقين بالحدوث وشك في البقاء ليجري الاستصحاب، فأركان الاستصحاب انما تتم في المجعول بالنحو الأول لا الثاني، وقد أشرنا سابقا إلى هذا الاستشكال وعلقنا عليه بما يوحي باجراء استصحاب المجعول على النحو الأول، غير أن هذا كان تعليقا موقتا إلى أن يحين الوقت المناسب.
واما الصحيح في الجواب فهو: ان المجعول الكلي وهو نجاسة الماء المتغير مثلا يمكن ان ينظر إليه بنظرين أحدهما: النظر إليه بما هو امر ذهني مجعول في أفق الاعتبار، والآخر: النظر إليه بما هو صفة للماء الخارجي، فهو بالحمل الشايع امر ذهني وبالحمل الأولي صفة للماء الخارجي، وبالنظر الأول ليس له حدوث وبقاء لأنه موجود بتمام حصصه بالجعل في آن واحد، وبالنظر الثاني له حدوث وبقاء، وحيث إن هذا النظر هو النظر العرفي في مقام تطبيق دليل الاستصحاب فيجري استصحاب المجعول بالنحو الثاني لتمامية أركانه.
إذا اتضح ذلك فنقول لشبهة المعارضة بأنه في تطبيق دليل الاستصحاب على الحكم الكلي في الشبهة الحكمية لا يعقل تحكيم كلا النظرين لتهافتهما، فان سلم بالأخذ بالنظر الثاني تعين اجراء استصحاب المجعول ولم يجر استصحاب عدم الجعل الزائد، إذ بهذا النظر لا نرى جعلا ومجعولا ولا امرا ذهنيا بل صفة لامر خارجي لها حدوث وبقاء، وان ادعي الاخذ بالنظر الأول فاستصحاب المجعول بالنحو الثاني الذي يكون من شأن المجتهد اجراؤه لا يجري في نفسه لا انه يسقط بالمعارضة.
إن قيل: لماذا لا نحكم كلا النظرين ونلتزم باجراء استصحاب عدم الجعل الزائد تحكيما للنظر الأول في تطبيق دليل الاستصحاب، واجراء استصحاب المجعول تحكيما للنظر الثاني، ويتعارض الاستصحابان.
كان الجواب: ان التعارض لا نواجهه ابتداء في مرحلة اجراء الاستصحاب بعد الفراغ عن تحكيم كلا النظرين، وانما نواجهه في مرتبة أسبق اي في مرحلة تحكيم هذين النظرين فإنهما لتهافتهما ينفي كل منهما ما