قرينة متصلة على تقييده، وهي كلمة (النقض) حيث إنها لا تصدق في موارد الشك في المقتضي. وقد تقدم تحقيق الكلام في ذلك في الحلقة السابقة واتضح ان كلمة (النقض) لا تصلح للتقييد.
والقول الآخر: ما ذهب إليه السيد الأستاذ من عدم جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية واختصاصه بالشبهات الموضوعية، وذلك - بعد الاعتراف باطلاق دليل الاستصحاب في نفسه لكلا القسمين من الشبهات - بدعوى أن عدم جريان الاستصحاب في الشبهة الحكمية ينشأ من التعارض بين استصحاب المجعول واستصحاب عدم الجعل.
وتوضيح ذلك أن الحكم الشرعي - كما تقدم في محله - ينحل إلى جعل ومجعول، والشك فيه تارة يكون مصبه الجعل وأخرى يكون مصبه المجعول، فالنحو الأول من الشك يعني ان الجعل قد تعلق بحكم محدد واضح بكل ماله دخل فيه من الخصوصيات، غير أن المكلف يشك في بقاء نفس الجعل ويحتمل ان المولى الغاه ورفع يده عنه، وهذا هو النسخ بالمعنى الحقيقي في عالم الجعل، والنحو الثاني من الشك يعني ان الجعل ثابت ولا يحتمل نسخه غير أن الشك في مجعوله والحكم المنشأ به، فلا يعلم مثلا هل ان المولى جعل النجاسة على الماء المتغير حتى إذا زال تغيره من قبل نفسه أو جعل النجاسة منوطة بفترة التغير الفعلي، فالمجعول مردد بين فترة طويلة وفترة قصيرة، وكلما كان المجعول مرددا كذلك كان الجعل مرددا لا محالة بين الأقل والأكثر، لان جعل النجاسة للفترة القصيرة معلوم وجعل النجاسة للفترة الإضافية مشكوك.
ففي النحو الأول من الشك - إذا كان ممكنا - يجري استصحاب بقاء الجعل، واما في النحو الثاني من الشك فيوجد استصحابان متعارضان:
أحدهما: استصحاب بقاء المجعول اي بقاء النجاسة في الماء بعد زوال التغير مثلا لأنها معلومة حدوثا ومشكوكة بقاء، والآخر: استصحاب عدم جعل الزائد اي عدم جعل نجاسة الفترة الإضافية مثلا، لما أوضحناه من أن تردد المجعول يساوق الشك في الجعل الزائد. وهذان الاستصحابان