3 - " الجهالة ": اسم مأخوذ من الجهل أو مصدر ثان له، قال عنها أهل اللغة: " الجهالة: أن تفعل فعلا بغير العلم " ثم هم [الذين] (1) فسروا الجهل بأنه المقابل للعلم عبروا عنه تارة بتقابل التضاد، واخرى بتقابل النقيض. وإن كان الأصح في التعبير العلمي أنه من تقابل العدم والملكة.
والذي يبدو لي من تتبع استعمال كلمة " الجهل " ومشتقاتها في أصول اللغة العربية: أن إعطاء لفظ " الجهل " معنى يقابل " العلم " بهذا التحديد الضيق لمعناه جاء مصطلحا جديدا عند المسلمين في عهدهم لنقل الفلسفة اليونانية إلى العربية الذي استدعى تحديد معاني كثير من الألفاظ وكسبها إطارا يناسب الأفكار الفلسفية، وإلا فالجهل في أصل اللغة كان يعطي معنى يقابل الحكمة والتعقل والروية، فهو يؤدي تقريبا معنى السفه أو الفعل السفهي عندما يكون عن غضب مثلا وحماقة وعدم بصيرة وعلم.
وعلى كل حال، هو بمعناه الواسع اللغوي يلتقي مع معنى الجهل المقابل، للعلم الذي صار مصطلحا علميا بعد ذلك. ولكنه ليس هو إياه.
وعليه، فيكون معنى " الجهالة " أن تفعل فعلا بغير حكمة وتعقل وروية الذي لازمه عادة إصابة عدم الواقع والحق.
إذا عرفت هذه الشروح لمفردات الآية الكريمة يتضح لك معناها وما تؤدي إليه من دلالة على المقصود في المقام:
إنها تعطي أن النبأ من شأنه أن يصدق به عند الناس ويؤخذ به من جهة أن ذلك من سيرتهم، وإلا فلماذا نهي عن الأخذ بخبر الفاسق من جهة أنه فاسق؟ فأراد تعالى أن يلفت أنظار المؤمنين إلى أنه لا ينبغي أن يعتمدوا كل خبر من أي مصدر كان، بل إذا جاء به فاسق ينبغي ألا يؤخذ