إذا عرفت ذلك، فيكون من المهم جدا أن نعرف ما هي المرجحات في باب التزاحم. ومن الواضح: أنه لابد أن تنتهي كلها إلى أهمية أحد الحكمين عند الشارع، فالأهم عنده هو الأرجح في التقديم. ولما كانت الأهمية تختلف جهتها ومنشؤها فلابد من بيان تلك الجهات، وهي تستكشف بأمور نذكرها على الاختصار:
1 - أن يكون أحد الواجبين لا بدل له مع كون الواجب الآخر المزاحم له ذا بدل، سواء كان البدل اختياريا كخصال الكفارة، أو اضطراريا كالتيمم بالنسبة إلى الوضوء، وكالجلوس بالنسبة إلى القيام في الصلاة.
ولا شك في أن ما لا بدل له أهم مما له البدل قطعا عند المزاحمة وإن كان البدل اضطراريا، لأن الشارع قد رخص في ترك ذي البدل إلى بدله الاضطراري عند الضرورة ولم يرخص في ترك ما لا بدل له، ولا شك في أن تقديم ما لا بدل له جمع بين التكليفين في الامتثال، دون صورة تقديم ذي البدل، فإن فيه تفويتا للأول بلا تدارك.
2 - أن يكون أحد الواجبين مضيقا أو فوريا، مع كون الواجب الآخر المزاحم له موسعا، فإن المضيق أو الفوري أهم من الموسع قطعا، كدوران الأمر بين إزالة النجاسة عن المسجد وإقامة الصلاة في سعة وقتها.
وهذا الثاني ينسق على الأول، لأن الموسع له بدل طولي اختياري دون المضيق والفوري، فتقديم المضيق أو الفوري جمع بين التكليفين في الامتثال دون تقديم الموسع فإن فيه تفويتا للتكليف بالمضيق أو الفوري بلا تدارك.
ومثله ما لو دار الأمر بين المضيق والفوري كدوران الأمر بين الصلاة في آخر وقتها وإزالة النجاسة عن المسجد، فإن الصلاة مقدمة إذ لا تدارك لها.