ومن هنا يعلم: أن التعارض ليس وصفا للمدلولين كما قيل (1) بل المدلولان يوصفان بأنهما " متنافيان " لا " متعارضان ". وإنما التعارض وصف للدليلين بما هما دليلان على أمرين متنافيين لا يجتمعان، لأن امتناع صدق الدليلين معا وتكاذبهما إنما ينشأ من تنافي المدلولين.
ولأجل هذا قال صاحب الكفاية: " التعارض هو تنافي الدليلين أو الأدلة بحسب الدلالة ومقام الإثبات " (2). فحصر التعارض في مقام الإثبات ومرحلة الدلالة.
4 - أن يكون كل من الدليلين واجدا لشرائط الحجية، بمعنى أن كلا منهما لو خلي ونفسه ولم يحصل ما يعارضه لكان حجة يجب العمل بموجبه، وإن كان أحدهما لا على التعيين بمجرد التعارض يسقط عن الحجية بالفعل.
والسر في ذلك واضح، فإنه لو كان أحدهما غير واجد لشرائط الحجية في نفسه لا يصلح أن يكون مكذبا لما هو حجة وإن كان منافيا في مدلوله، فلا يكون معارضا له، لما قلنا: من أن التعارض وصف للدالين بما هما دالان في مقام الإثبات، وإذ لا إثبات فيما هو غير حجة فلا يكذب ما فيه الإثبات.
إذا، لا تعارض بين الحجة واللاحجة، كما لا تعارض بين اللا حجتين.
ومن هنا يتضح أنه لو كان هناك خبر - مثلا - غير واجد لشرائط الحجة واشتبه بما هو واجد لها، فإن الخبرين لا يدخلان في باب التعارض، فلا تجري عليهما أحكامه وقواعده، وإن كان من جهة العلم