قلت: قطع أربعا؟
قال: عشرون.
قلت: سبحان الله! يقطع ثلاثا فيكون عليه ثلاثون، ويقطع أربعا فيكون عليه عشرون!؟ إن هذا كان يبلغنا ونحن بالعراق فنبرأ ممن قاله، ونقول: الذي جاء به شيطان.
فقال: مهلا يا أبان! هذا حكم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إن المرأة تعاقل (1) الرجل إلى ثلث الدية، فإذا بلغت الثلث رجعت إلى النصف. يا أبان! إنك أخذتني بالقياس، والسنة إذا قيست محق الدين (2).
فهنا في هذا المثال لم يكن في المسألة خطاب يفهم منه في الفحوى من جهة الأولوية تعدية الحكم إلى غير ما تضمنه الخطاب حتى يكون من باب " مفهوم الموافقة ". وإنما الذي وقع من أبان قياس مجرد لم يكن مستنده فيه إلا جهة الأولوية، إذ تصور - بمقتضى القاعدة العقلية الحسابية - أن الدية تتضاعف بالنسبة بتضاعف قطع الأصابع، فإذا كان في قطع الثلاث ثلاثون من الإبل، فلابد أن يكون في قطع الأربع أربعون، لأن قطع الأربع قطع للثلاث وزيادة. ولكن أبان كان لا يدري أن المرأة ديتها نصف دية الرجل شرعا فيما يبلغ ثلث الدية فما زاد، وهي مائة من الإبل.
والخلاصة: أنا نقول ببطلان قياس الأولوية إذا كان الأخذ به لمجرد الأولوية. أما إذا كان مفهوما من التخاطب بالفحوى من جهة الأولوية فهو حجة من باب الظواهر، فلا يكون قياسا مستثنى من القياس الباطل.
* * *