عرفت فيما سبق أن معنى العبادة ليس قصد الأمر، وعلى فرضه فالمقدمات العبادية في أنفسها مستحبة أو واجبة، وأن الأمر الغيري لا يعقل أن يكون باعثا نحو الفعل وداعيا إليه، بل ينبعث المكلف نحو المقدمة بعين الأمر النفسي المتعلق بذي المقدمة فتذكر وراجع.
ويناسب المقام ما كان يذكره السيد الأستاذ - طاب ثراه - من أن القول بوجوب ذات المقدمة من غير مدخلية لقصد الإيصال فيه لا ينافي الالتزام به في بعض الموارد لجهة خارجية كما لو توقف إنقاذ الغريق على التصرف في الأرض المغصوبة، فإنه يختص جواز التصرف فيها بما كان للإنقاذ، لأن إذن الشارع في الغصب مع حرمته ذاتا لم يكن إلا لأهمية مصلحة الإنقاذ والإذن في المبغوض من الضرورات التي تقدر بقدرها، فيكفي الإذن في خصوص التصرف بقصد الإنقاذ، ولا يتجاوزه إلى غيره، وبهذا كان يدفع الإلزامات التي يوردها القائل بوجوب خصوص المقدمة الموصلة، كما ستعرفها إن شاء الله.
أقول: هذا حق، لو كان وجوب المقدمة مما تناله يد الجعل والتصرف، وأما بناء على ما يذهب إليه المحققون - وهو سيدهم - من أنه لازم لوجوب ذي المقدمة بحيث يستحيل انفكاكه عنه بحكم العقل، ولا مناط في حكمه سوى التوقف من غير مدخلية شيء فيه غيره، فلازمه أن يكون الحرام المهم إذا كان مقدمة للواجب الأهم كالمباح، إذ القصد لا مدخلية له في التوقف الذي هو مناط حكم العقل، والحكم العقلي لا يقبل التخصيص.
وأيضا إذا كان من الممكن عقلا تخصيص الوجوب بنوع من المقدمة لجهة أخرى، فلما ذا نقموا على صاحب الفصول قوله بوجوب خصوص الموصلة، واعترضوا عليه بمثل ما اعترضنا على هذا القول؟ فراجع.
ولا ينبغي للمتأمل أن يقيس المقام بما لو كانت للواجب مقدمة مباحة، إذ حكم العقل هناك بلزوم إتيان خصوص المباحة ليس إلا بمناط الجمع بين