وأما الثاني فمثاله: المناضلة وهي بمعنى المراماة، ولا يأتي - فيما أعلم - من غير باب المفاعلة، أو ما فيه معناها أيضا، والسر فيه أن الواضع لم يضع أصل النضل للرمي كما فعله في لفظ الرمي، كي يصح منه جميع الهيئات، وإنما وضع المادة المتهيئة بهيئة هذا الباب خاصة.
ومن هذا الباب: الملوان بمعنى الليل والنهار، حيث لا يستعمل مفرد هذا اللفظ، وذلك لأن الواضع لم يلاحظ مادة الملو مستقلا، كما فعله في لفظ الليل، بل لاحظها مقرونة بصورة التثنية، ووضعها مقيدة بها لمجموع الليل والنهار.
ومن هذا النمط الألفاظ المفردة التي لا تثنى ولا تجمع، والجموع التي لا مفرد لها من جنسها، وهي في غاية الكثرة في لغة العرب.
هذا كله في البحث عن معنى المشتق، وأما البحث عن معنى المبدأ، فمختصر الكلام فيه أنه كل ما أمكن أن ينتزع منه اعتبار يتحد مع الذات، كالأفعال، والصفات، والحالات، وغيرها حتى الجوامد، نحو: أدماه، فإن الدم وإن كان اسم عين، لكنه كجرح وقتل، لاتحادهما في المناط المذكور، ومثله: (تدثر) و (تجورب) ونحوهما، لأن منهما ينتزع عنوان اللبس والاشتمال.
وما يرى من غرابة الاشتقاق في بعض الجوامد فمنشؤه قلة الاستعمال، إذ الاستعمال في تأهيل الوحشي من الألفاظ، وتسهيل الوعر منها عمل عظيم، ألا ترى أن الرمح، والسيف، والخنجر، أسماء ثلاثة للأعيان الثلاثة من السلاح، والرمح بلغ حدا من الشيوع حتى صار كالقائم والقاعد، فلا يتصف بحسن ولا قبح، والسائف لطيف في الذوق لاستعماله قليلا في كلمات الفصحاء، والمخنجر قبيح، ولا منشأ له إلا عدم الاستعمال، وعلى هذا فلا فرق بين المشتقات الأصلية وما يسمى بالاشتقاقات الجعلية إلا أن المواد في الأولى لا أوضاع لها تامة إلا في ضمن الهيئات - على ما مر تحقيقه - بخلاف الثانية.
الثالث: أن المشتقات على قسمين: فعلية واسمية، فالكلام هنا في مقامين: