غيرهما، علمنا أن وضع تلك الهيئات نوعي إذ من البعيد - بل من المقطوع بعدمه - أن يضع الواضع في كل مادة مادة على كثرتها هيئة (فعل) للماضي، و (يفعل) للمضارع وهلم جرا، فإنه لغو وعبث صرف لا تكاد أن يصدر عن عاقل.
وإذا أضفت إلى ذلك ما تعلمه من أن الماضوية، أو المضارعية، أو المصدرية - مثلا - يفهم من تلك الهيئات من غير توقف على فهم المادة، وتذكرت ما نبهناك عليه من قياسية تلك الهيئات، وصحة إجرائها حتى في الجوامد، عرفت أن القطع الذي ادعيناه ليس بكذب ولا بجزاف، والوضع النوعي - كما عرفت - يحتاج إلى مبدأ سابق عليه، احتياج الصورة إلى الهيولى.
وكان السيد الأستاذ يقول: إن أسماء المصادر أولى بأن يكون مبادئا لمشتقاتها، ولكنها قليلة في لغة العرب، فلا يمكن اعتبارها في جميع الأبواب.
فالتحقيق في المقام أن يقال: للواضع أن يلاحظ أولا حروف لفظ المادة مجردة عن كل هيئة، وصورة إجمالية أو تفصيلية كحروف (ض) (ر) (ب) ويضعها بإزاء صرف المعنى كذلك غير ملحوظ معه نسبة إلى فاعل، أو مفعول، أو زمان، ونحوها من الخصوصيات حتى المصدرية وهو المعنى الساري في جميع المشتقات بوحدته المطلقة، ويفعل كذلك في كل المواد التي يريد وضعها، ثم يعقبه بوضع الهيئات.
لا يقال: يلزم - على ما ذكرت - أن يكون معاني المشتقات مركبة، وسيأتي أنها بسيطة، بل يلزم منه ما هو أمر من التركيب، وهو أن يدل كل واحد منها على معنيين متعددين مستقلين غير مركبين، وغاية الأمر كونهما متناسبين كبائع التمر، فإنهم وإن اختلفوا في بساطة معاني المشتقات وتركيبها، ولكن لم يقل أحد بتعددها.
لأنا نقول: المادة ملحوظة أيضا في وضع الهيئات، فيكون الموضوع هي المادة المتهيئة بالهيئة الخاصة، وهو الوضع الحقيقي الدال على المعنى، وليس الوضع