ولكن يشكل ذلك أيضا: بأن التبادر بهذا المعنى وإن كان ينقدح في نفس العالم بالوضع في المشتركات اللفظية ولا يكاد ينكر، غير أنه في موضع الأمارة لا يترتب عليه فائدة، لأنه ما لم ينكشف للجاهل بمبرز خارجي وهو مقام الحمل وترتيب الأثر لا ينهض أمارة، ولا مبرز له في نحو المفروض، حيث إن المشترك فيه ملزوم للوقف الذي لا حمل معه ولا ترتيب الأثر.
فالجواب الحاسم لمادة الإشكال هو ما ذكرناه واعتمد عليه غير واحد من الأجلة، ومعه لا حاجة إلى العدول عما عليه الفحول من جعل التبادر علامة للحقيقة، إلى أخذ عدم تبادر الغير علامة لها تفصيا عن الإشكال كما صنعه بعضهم.
هذا مع وضوح فساده بنفسه من حيث إفضائه في بعض الأحيان إلى جعل لفظ واحد حقيقة في جميع معاني العالم فليتدبر. هذا كله في علامة الحقيقة الملزومة للوضع.
وأما علامة المجاز: فالمعروف بين الأصوليين أنها عدم التبادر، وذهب جماعة إلى أنها تبادر الغير، لأنه لولاه لزم انتقاض طردها بما في المشترك من عدم تبادر شيء من معانيه كما في كلام غير واحد، أو لأن النقض بالمشترك وإن لم يكن واردا، لكن الحق أن علامة المجاز تبادر الغير لا عدم التبادر، لتحققه في اللفظ الموضوع قبل اشتهاره فيما وضع له، فإنه لا يتبادر منه المعنى في محل الحاجة إلى العلامة مع أنه حقيقة بنص أهل اللغة، كما في كلام السيد الطباطبائي في شرحه للوافية أو لأن عدم التبادر أمر عدمي فلا يصلح علامة للمجاز الذي هو أمر وجودي.
والمعتمد هو المذهب المشهور، فإن المراد بعدم التبادر عدم التبادر الذي هو علامة للحقيقة، المتقدم تعريفه بأنه: " فهم المعنى من اللفظ مع التجرد عن القرينة أو قطع النظر عنها " والعدم المضاف إلى هذا المفهوم المركب نظير النفي الوارد على المقيد، المتوجه تارة إلى نفسه وأخرى إلى قيده.
وبعبارة أخرى: هذا المفهوم نظير الماهية المركبة من جنس وفصل، وإذا ورد