وثانيهما: إن اعتبار التبادر وعدمه أمارتين لعله يغني عن أخذ صحة السلب وعدمها أمارتين، بل هما عند التحقيق طريقان إلى إحراز التبادر وعدمه بالنسبة إلى المعنى المبحوث عنه، إذ بصحة سلب ما يفهم من اللفظ عرفا عنه يتبين أنه ليس مما يتبادر من اللفظ عرفا، كما أن بعدمها يتبين أنه المتبادر أو مما هو متبادر منه عرفا.
ويندفع الأول: بمنع استلزام عدم صحة السلب صحة الحمل في تقدير، ومنع صلوحها علامة للحقيقة لعدم اطرادها في آخر، ومنع عدم اعتبارهم إياها علامة لها في تقدير ثالث.
وتوضيحه: إن الحمل المقتضي لأخذ المحمول باعتبار المفهوم في الحمليات يرد على وجهين:
أحدهما: حمل الشئ بنفس مفهومه ومن غير نظر إلى ما هو من أوصافه وأحواله على ذات الموضوع، كما في " زيد إنسان " و " الإنسان حيوان ".
وثانيهما: حمل مفهوم الشئ باعتبار وصف من أوصافه، أو حال من أحواله عليها، كما في " هذا زيد " حيث يؤخذ المحمول مفهوم " زيد " - وهو الذات المشار إليها - باعتبار وصف كونه مسمى لهذا اللفظ، صونا للحمل عن كونه حملا للشيء على نفسه.
وعلى قياس ذلك الحمليات الجارية على لسان أهل اللغة، عند بيان معاني الألفاظ إذا أخذت محمولاتها الألفاظ، كما في قولهم: " الحيوان المفترس الأسد " إذ لا وجه لصحة الحمل فيها إلا أخذ المحمول مفهوم اللفظ باعتبار وصف المسمى له، ولأجل جريان هذين الاعتبارين في الحمليات كثيرا ما يوجد قضية واحدة في موضوع ومحمول واحد صادقة بأحد الاعتبارين وكاذبة بالاعتبار الآخر، كما في " زيد حيوان، أو إنسان، أو ناطق " إذا اعتبر المحمول الحيوان والإنسان والناطق بنفس مفاهيمها، أو تلك المفاهيم باعتبار وصف الجنسية أو النوعية أو الفصلية.