وفيه: منع القصور في الأدلة المذكورة بالنسبة إلى النفي، بشهادة أنه لو ادعى أهل اللغة قضية سلبية سليمة عن المعارض يؤخذ بها بلا تأمل.
ورابعها: أن تقديم الإثبات في خصوص المقام إنما هو بمقتضى دليل الحجية، لأن فيه تصديقا لكل من القائلين، وحكما بصدق كلا القولين، فلا مخالفة فيه لدليل الحجية الدال على وجوب تصديق أهل اللغة مهما أمكن، بخلاف ما لو قلنا بالترجيح المستلزم لطرح أحد القولين بالمرة لفقده المرجح، وهو خروج عن مقتضى قوله: " إذا أخبرك أهل اللغة بشيء من اللغة فصدقهم " على ما هو مفاد أدلة الحجية مع إمكان العمل به في الجملة، حسبما عرفت.
وفيه، المعارضة بالمثل.
وتوضيحه: إن الناقلين المختلفين إما أن يصدق كلاهما في تمام الدعوى، أو لا يصدق كلاهما في شيء من الدعوى، أو يصدق أحدهما في تمام الدعوى ويطرح قول الآخر بتمام دعواه، أو يصدق كلاهما في النفي الذي هو جزء الدعوى أو في الإثبات الذي هو الجزء الآخر من الدعوى، ولا سبيل إلى الأول في مورد التعارض لعدم إمكانه وإلا لزم التناقض، ولا إلى الثاني لكونه مخالفة للحجة بلا عذر فينفيه دليل الحجية، ولا إلى الرابع لقضائه بإخلاء اللفظ عن المعنى وهو خلاف ما علم بالضرورة واتفق عليه القولان من أن له معنى، فانحصر الأمر في الوجه الثالث والخامس، وليس أحدهما أولى من الآخر باعتبار مراعاة العمل بدليل الحجية أو الخروج عنها، إذ كما أن تمام الدعوى من أحدهما يصدق عليه قضية قول اللغوي فكذلك دعوى النفي من كليهما يصدق عليه تلك القضية، وكما أن ترك العمل بتمام الدعوى لأحدهما خروج عن مقتضى قوله: " إعمل بقول اللغوي " ومخالفة له فيكون حراما، فكذلك ترك العمل بنفي كليهما خروج عنه ومخالفة له فيكون حراما.
وتوهم أن دليل الحجية مقيد بالإمكان لا محالة، ولا ريب أن العمل بالنفيين بعد فرض العمل بالإثباتين غير ممكن جزما، فترك العمل به ليس مخالفة للدليل ليكون حراما.