والتفصيل، فإن المتوقف على التبادر إنما هو العلم التفصيلي بالموضوع له، على معنى العلم به باعتبار أجزائه المفصلة.
والذي يتوقف عليه التبادر إنما هو العلم به إجمالا، على معنى العلم به بتمام صورته النوعية.
وقد ذكرنا سابقا أن هذا العلم لا يستلزم العلم به بأجزائه المفصلة، فلا يكون متوقفا عليه.
وقد يجاب عن إشكال الدور بما لا يرجع إلى محصل، وهو: إنا لا نسلم توقف الفهم في الدلالة الوضعية على العلم بالوضع، فإن الاشتهار يقتضي تبادر المعنى وفهمه من اللفظ المجرد قطعا، لحصول المؤانسة الموجبة للتفاهم، والتفاهم للاشتهار لا يقتضي العلم بالاشتهار فضلا عن العلم بالوضع.
وتحقيقه: إن وضع اللفظ إما أن يكون بتعيينه بإزاء المعنى، أو لتحقق الغلبة والاشتهار فيه، وعلى الثاني فالسبب في الفهم هو نفس الغلبة والاشتهار، وكذا على الأول إن كان فهم المعنى بعد حصول الأمرين، وأما إذا كان قبلهما كما في أوائل الاستعمال ففهم المعنى حينئذ موقوف على العلم بالوضع، إذ لا سبب للفهم سوى ذلك، فعلم أن فهم المعنى لا يتوقف على العلم بالوضع مطلقا، بل إنما يتوقف عليه في صورة نادرة، هي كون الوضع تعيينيا والاستعمال قبل حصول الغلبة والاشتهار.
نعم حصول الفهم مطلقا موقوف على نفس الوضع، أما إذا كان الفهم موقوفا على العلم بالوضع كما في هذه الصورة، فظاهر.
وأما إذا كان بالغلبة والاشتهار، فلأن الوضع إما أن يحصل بهما أو بالتعيين السابق عليهما، وعلى الأول فسبب الفهم هو الوضع الحاصل بالاشتهار، وعلى الثاني فالسبب القريب في الفهم وإن كان هو الاشتهار، لكن لما كان الاشتهار فيه فرع التعيين، كان التعيين سببا بعيدا في الفهم، فيتوقف عليه الفهم، فالوضع في جميع الصور من شرائط الدلالة.