عليها النفي فقد يتوجه إلى جنسها وقد يتوجه إلى فصلها، فعدم تبادر معنى من المعاني، إما لانتفاء جنس التبادر وهو أصل الفهم، أو لانتفاء فصله وهو تجرد اللفظ عن القرينة، أو اقترانه بما لا دخل له في الفهم، ومحصله حصول الفهم بمعاونة القرينة الموجودة مع اللفظ، وكل من هذين علامة للمجاز لكونه ملزوما لانتفاء الوضع، غير أن الأول منهما مقصور على موارد تبادر الغير كما في " الأسد " مقيسا إلى الشجاع إذا استعمل مجردا عن قرينة " يرمى " كما أن الثاني منهما مقصور على مواضع وجود قرينة التجوز كما في " أسد يرمى " مقيسا إلى الشجاع أيضا، فإنه لا يتبادر في كل من الاستعمالين غير أنه في الأول لانتفاء جنس التبادر، وفي الثاني لانتفاء فصله، وهو في كلا القسمين ملزوم لانتفاء الوضع.
أما في الأول: فلأن اللفظ لو كان موضوعا لنحو المعنى المفروض لتبادر منه ذلك المعنى لوجود مقتضيه التام، وهو المجموع من اللفظ والوضع والتجرد عن القرينة، والمفروض خلافه ولا جهة له سوى انتفاء الوضع.
وأما في الثاني: فلأن اللفظ لو كان موضوعا للمعنى المفروض لوجب عدم افتقار ذلك المعنى في انفهامه إلى قرينة والمفروض خلافه، ولا جهة له أيضا سوى انتفاء الوضع.
وأما تبادر الغير فإن أريد به ما هو في مواضع وجود قرينة التجوز، فهو غير متحقق في تلك المواضع لينهض علامة.
وإن أريد به ما هو في موارد عدم التبادر لانتفاء جنس التبادر فأخذه علامة ليس بأولى من أخذ عدم التبادر علامة، مع أنه ما لم ينضم إليه عدم التبادر لا ينهض منتجا لانتفاء الوضع، لأنه لو قيل لمدعى المجازية في المعنى الغير المتبادر تعليلا بتبادر غيره بأنه لم لا يجوز كونه موضوعا لهذا المعنى وحده، أو كونه موضوعا له أيضا، لا مدفع له إلا أن يقول: بأنه لو كان كذلك لتبادر هذا المعنى، أو كان هو أيضا من المتبادر، والتالي باطل لعدم تبادره أصلا، فنفي الاحتمالين استنادا إلى عدم التبادر دليل على أنه الوسط الحقيقي للعلم بالمجازية