ثم إن معنى كون التبادر علامة للوضع، إن بينه وبين الوضع ملازمة خارجية، على معنى أنه حيثما ثبت يكشف عن الوضع كشفا إنيا ولا يتخلف عنه الوضع، كما لا يتخلف الملزوم عن لازمه.
لنا على الملازمة بالمعنى المذكور وجوه:
أولها: قضاء الوجدان المغني في الحقيقة عن إقامة البرهان، فإن كل أحد يجد من نفسه أنه متى علم بوضع لفظ لمعنى معين، فهو بحيث متى سمعه أو أحسه مجردا عن قرينة صارفة فهم منه ذلك المعنى، ويحصل له التصديق بإرادته.
وقد عرفت سابقا أن كلما هو من لوازم الوضع عند العالم به، فهو علامة عليه للجاهل.
وثانيها: إجماع العلماء بجميع أصنافهم قديما وحديثا، كما يرشد إليه اعتمادهم عليه في عامة المطالب اللغوية من غير نكير، حتى أن المنكر للمطلب إذا أراد القدح في الاستدلال بادر إلى منع الصغرى دون الكبرى، الراجع منعها إلى إنكار الملازمة.
وثالثها: بناء العرف وأهل اللسان من كل لغة، فإنهم في كافة اللغات وأوضاع الألفاظ لا يزالون يعتمدون على التبادرات، كما يعتمدون فيها على الترديدات بالقرائن ونحوها.
ورابعها: البرهان الذي اعتمد عليه غير واحد من الأجلة، فإن فهم المعنى من اللفظ في محل التبادر لابد له من موجب وعلة محدثة، وهو بحكم الاستقراء القطعي، إما المناسبة الذاتية فيما بين اللفظ والمعنى، أو القرينة الموجودة مع اللفظ الموجبة لفهم المعنى، أو تعين اللفظ بإزاء ذلك المعنى، ولا سبيل إلى الأول لبطلان القول بالمناسبات الذاتية، ولا إلى الثاني لدليل الخلف، فيعين الثالث وهو المطلوب.
ولا يفترق فيه الحال بين كون التعين أثرا للتعيين أو غلبة الاستعمال، فإنه علامة لكليهما.