العرب، وكثرة المهارة في فنون الأدب، وغلبة الضبط وقلة الخلط بين الحقيقة والمجاز، وكون الناقل مشتهرا بين العلماء ومعتمدا على نقله عند الأجلاء، وكونه عربيا إلى غير ذلك مما يوجب الظن الغالب بأحد النقلين، ومع فقد المرجحات، أو وجودها في كلا الجانبين على جهة التعارض مع اتحاد النوع أو اختلافه، تعين الوقف كما هو واضح.
وأما المقام الثاني: فيختلف فيه الحال أيضا على حسب اختلاف الأقوال، فعلى المختار وكذا على مختار من يعتبره لوصفه فالأمر واضح، بملاحظة ما سبق، بل فرض التعارض على هذين المذهبين مسامحة، حيث لا يعقل التعارض بين علميين ولا بين ظنيين.
وعلى مذهب من يعتبره لذاته فطريق العلاج فيه إنما هو مراعاة الجمع، بمعنى تصديق الناقلين معا، على معنى العمل بكل من النقلين، على وجه لا يلزم منه ترك العمل بالآخر حيثما أمكن.
ولا يذهب عليك أن دائرة الجمع هنا أوسع منها في المقام المتقدم، وإنما يتأتى ذلك بجعل اللفظ في صور التساوي والتباين والعموم من وجه مشتركا بين معنيين " فالقرء " حينئذ إما الطهر وإما الحيض، و " الغناء " إما الصوت المطرب أو ترجيع الصوت، والوجه في ذلك إن عدم تعرض اللغوي لذكر المعنى المتنازع فيه، إما من جهة عدم الوجدان وهو الغالب، أو من جهة وجدان العدم، ومورد الشك ملحق بالغالب، فإذا علم بملاحظة القرائن الخارجية كون عدم التعرض لذكر ما لم يذكر في محل الاختلاف من الصور المذكورة من جهة عدم الوجدان، فالحكم بالاشتراك على الوجه المذكور أخذ بكلا القولين، غير مستتبع لشيء من الطرح، وعليه فطريق الجمع في صورة العموم مطلقا إنما هو الأخذ بالأعم، لأن العمل به عمل بنقل الأخص.
وقد يتوهم: أن ذلك ينافي قاعدتهم المقررة في بحث المطلق والمقيد من وجوب حمل الأول على الثاني، فإن مقتضى هذه القاعدة تقديم القول بالأخص