غاية ما هنالك أن اللغوي لم يذكر له إلا معنى واحدا كما هو المفروض، وهو لا يقضى بانحصار معناه فيه بحسب الخارج، لجواز أن يكون له معنى حقيقيا لم يتعرض له اللغوي اعتمادا على اشتهاره ومعروفيته، وإنما تعرض لذكر المجاز لخفائه باعتبار ندرة الاستعمال فيه، وكم من هذا القبيل في كلامهم، فتراهم كثيرا ما يذكرون اللفظ بعنوان أنه معروف من غير تصريح بذكر معناه المعروف، بل ربما يقتصرون عند ذكر اللفظ بإيراد مستعملاته، أو موارد استعماله في الكتاب والسنة أو غيرهما، من دون ذكر معناه الأصلي، لا بعنوان التصريح ولا بعنوان وصف المعروفية، مع إمكان عدم اطلاعه بالحقيقة، كما إذا لم يكن من أهل لسان العرب، ولم يحصل له من التتبع ما يؤديه إلى تعيين الحقيقة.
وما يقال: في دفعه بعدم إمكانه، حيث إن معرفة المجاز فرع معرفة الحقيقة.
يدفعه: أن المستحيل إنما هو تحقق المجاز في الخارج من دون وضع، وأما تحققه في الذهن من دون معرفة الموضوع له بعينه فليس بمستحيل، كما هو واضح، وبما ذكر يندفع الاستبعاد المذكور، فإن ذكر المجاز مع ترك الحقيقة ليس بعزيز الوجود في كتب اللغة، بل المتتبع يشهد بشيوعه، فطريق الاستظهار مقصور على ما نبهنا عليه، فإن دعوى الانصراف - حسبما قررناه - ليس خروجا عن الإنصاف، كما يجده المجانب عن الاعتساف.
وأما القسم الثاني: فيندرج فيه أيضا صور:
إحداها: أن يوجد في عبارته الصادرة عند بيان المعاني المتعددة ما يكشف بصراحته أو ظهوره عن اعتقاده بالحقيقية في البعض والمجازية في الآخر، كأن يقول: الأسد حقيقة في المفترس ومجاز في الشجاع، أو إنه اسم للمفترس ويستعار أو يكنى للشجاع، أو إنه يدل على المفترس بنفسه ويستعمل في الشجاع لعلاقة أو للمناسبة، أو يقول: إنه المفترس أو إنه للمفترس وقد يستعمل في الشجاع، أو قد يطلق عليه أو قد يأتي أو قد يجيء له، وهذا مما لا إشكال فيه من حيث الحجية ولا من حيث حصول الثمرة، إلا في بعض الفروض - على حسبما ما تقدم ذكره - فإن الفروض السبعة المشار إليها آتية هنا.