ومنها: إنه لو كان الأصل في المشتقات هو المصدر أو الفعل دون ما ذكر لزم عدم دلالتها على معانيها الحدثية، وعدم اتصافها بالحقيقة والمجاز، وبطلان اللازم بكلا قسميه أبين من أن يبين.
أما الملازمة: فلأن كلا من الدلالة والاتصاف بالوصفين يتبع الاستعمال، وهو يتبع الوضع، على معنى اعتبار وقوعه على مورد الوضع في الموضوع له ليدل عليه بوصف الحقيقة أو في خلافه ليدل عليه بوصف المجاز.
والمفروض إن مورد الوضع فيهما هو المجموع المركب من الهيئة والمادة، وهو على هذا الوجه غير موجود في المشتق لما عرفت من انتفاء الهيئتين.
وبالجملة: مورد الوضع منهما ليس بموجود في المشتقات، والموجود ليس بمورد له، فالاستعمال غير واقع على مورد الوضع، وينتفي معه الدلالة والاتصاف، وهو المراد من اللازم، وبطلانه يكشف عن كون مورده هو الحروف المرتبة المعراة عن الهيئة المخصوصة، وأن الدلالة على المعنى الحدثي والاتصاف باعتبارها لا غير.
ومما يؤيد الجميع، أو يدل على المطلب أيضا: أن المصادر كالأفعال لها بحسب اللغة على ما ضبطه أئمة الصرف هيئآت خاصة وأوزان مخصوصة، ترتقي إلى اثنين وثلاثين أو أزيد، وهذا يقتضي كون بناء المصدر مصدرا بأحد هذه الأوزان من باب الاشتقاق بالمعنى المتقدم، بأن يلاحظ من هذه الهيئآت الموضوعة على ما هو الظاهر للمعاني المصدرية هيئة مخصوصة - على حسب ما قصد البناء عليه - فيؤخذ حروف الأصل بوزانها.
ثم إنه لا ريب في أن قضية الوجوه المذكورة كون أصل المشتقات متساوي النسبة إليها جمع، حتى المصادر المجردة باعتبار المعنى، كما أنه كذلك باعتبار اللفظ، ليكون موجودا مع الجميع بكل من اعتباري اللفظ والمعنى، وإنما يتأتى ذلك - على ما عرفت - بفرض كون الحروف الأصلية بما فيها من الترتيب موضوعة للمعنى الحدثي، من حيث إنه ماهية مقررة في نفس الأمر ملحوظة