ومنهم من عدل عن هذا المسلك فجعل المدار على الصدق العرفي، ولازمه الالتزام بأن كلما صدق معه الاسم عرفا فهو المسمى وإن لم يتحقق فيه الأركان، وكلما لم يصدق معه الاسم عرفا فليس من المسمى وإن تحقق معه جميع الأركان.
ومستند الأول - على ما تقدم إليه الإشارة - قول الفقهاء في الفرق بين الأركان وغيرها بكون الأول ما يوجب الإخلال به عمدا أو سهوا بطلان العبادة بخلاف الثاني الذي لا يوجب سهوه البطلان، فلولا الأول مقوما للماهية لم يكن سهوه مبطلا، كما أنه لو كان الثاني مقوما كان سهوه أيضا مبطلا.
وربما أمكن الاستناد له أيضا إلى لزوم الدور، لو كان المدار على الصدق العرفي، فإنه متوقف على الوضع فلو توقف الوضع عليه - كما هو لازم القول بالوضع لما يصدق عليه الاسم عرفا - لزم ما ذكر.
ومستند الثاني انتقاض الطريق الأول في طرده وعكسه، على معنى كذب الكليتين المشار إليهما على هذا الطريق، بالبيان المتقدم ذكره سابقا.
والإنصاف: عدم استقامة شيء من الطريقين.
أما الأول: فللانتقاض المشار إليه، مع عدم اطراد الأركان في جميع العبادات وعدم كونها على حقيقة واحدة فيما هي ثابتة فيه، كالصلاة والحج على ما يكشف عنه اختلاف الحكم، فإن ركن الحج ليس على حد أركان الصلاة، لعدم كون سهوه مبطلا، وإنما هو على حد غير الأركان فيها، فلا يتم التقريب المذكور، مع تطرق المنع إلى كون الركنية ملزومة للمقومية، بل الركن كغيره - على ما بيناه سابقا - اصطلاح نشأ عن الفرق في الأجزاء بين ما اعتبر في حالتي الاختيار والاضطرار معا، وما اعتبر في حالة الاختيار خاصة.
وتوهم الدور - حسبما ذكر - يندفع: بتغاير محل التوقف في المقدمتين، فإن المتوقف على الوضع هو الصدق العرفي على أنه واسطة في ثبوته، والمتوقف على الصدق العرفي هو الوضع على أنه واسطة في الإثبات، على معنى أن العلم بالوضع متوقف على الصدق لا نفسه، كما هو واضح.