وقيل: أصل هذا المذهب من المحقق الشريف في بعض تحقيقاته، وهذا هو الأقوى بل المقطوع به، لكن لا لمجرد ما عرفته من التعليل، بل - مضافا إلى ضعف أدلة القولين ووضوح فسادها - لوجوه أخر:
منها: الاستقراء التام القاضي بدوران الاشتقاق في جميع موارده وجودا وعدما مع حروف مرتبة ليست بأنفسها هي المصادر ولا هي بمجردها الأفعال، لاشتمالهما مطلقا على حركات وسكنات، وغالبا على حروف لا يدور عليها الاشتقاق وجودا وعدما، ولا يضر المخالفة فيها بانعقاده فينهض ذلك حجة واضحة على أن نظر الواضع في أصل المشتقات إلى ما ليس بمصدر ولا بفعل مما يكون نسبته إلى الجميع على حد سواء، وليس إلا الحروف المذكورة الصالحة لأن يطرئها كافة الهيئآت المتولدة عن توالي الحركات والسكنات وتلاحق الحروف والزيادات.
ومنها: ما حصل بمراجعة كلمات العرب ومزاولة كلام أئمة اللغة والأدب من العلم الضروري لكل متدرب بانقسام حروف المصادر والأفعال في غالب أفرادهما إلى الأصول، التي هي عبارة عما يدخل في المشتق باعتبار مبدأ اشتقاقه، والزوائد التي تدخل فيه باعتبار الهيئات المختلفة الموضوعة بأنواعها للمعاني المستفادة من أنواعه المختلفة.
وقضية ذلك أن لا يكون لمصدرية المصدر وفعلية الفعل مدخلية في الاشتقاق، لكون مبناهما على اعتبار انضمام الزوائد إلى الأصول، ولا يعقل لذلك وجه إلا كونه جعلا من الواضع، على معنى أنه جعل الأصل في المشتقات ما لا يدخل فيه الحروف الزوائد، التي على انضمامها مبنى بناء المصدر والفعل، وإلا لم يعقل الفرق بين حروفهما بكون جملة منها أصلية وأخرى زائدة.
ومما يوضح ذلك أيضا عدم انقسام الحركات والسكنات الطارئة للمشتقات إلى الأصلية وغيرها، وهذا كما ترى ليس إلا لأن الأصل شيء لم يؤخذ معه بحسب وضعه حركة وسكون.