و " الطهارة " و " النجاسة " فإن العدالة لغة الاعتدال والاستقامة، وإذا أضيفت الاستقامة إلى الإنسان في أمر الدين لا معنى له إلا الملكة الرادعة، والأحكام المعلقة عليها في الشرع واردة عليها باعتبار هذا المعنى وهي باعتبار هذا المعنى يرد إطلاقها في كلام الفقهاء على الملكة باتفاق منهم، والاختلاف المعروف فيها ليس اختلافا في معناها، بل هو - على ما حقق - اختلاف في الطرق المثبتة لها، الكاشفة عن حصولها، و " الفسق " هو الخروج عن طاعة الله ولم يظهر من الشارع إطلاقه في غير هذا المعنى، والإيمان هو التصديق، والكفر هو الستر، والطهارة هو النظافة، والنجاسة ضد لها على ما بيناه سابقا.
غاية الأمر، إن الشارع أضاف إلى هذه المفاهيم جملة من الزوائد والخصوصيات، وهو في نحو الفرض لا يستدعي نقلا ولا وضعا جديدا، ولا تجوزا كما هو واضح.
وأما ما قيل في الاستدلال على ثبوت الحقيقة الشرعية بقول مطلق، من أنا نجد هذه الألفاظ في الكتاب العزيز والسنة النبوية واستعمالات الصحابة والتابعين قد استعملت في المعاني الشرعية الحادثة غالبا، ونرى استعمالها في المعاني اللغوية السابقة في غاية الندرة، حتى كاد أن لا يوجد منها في الكتاب والسنة عين ولا أثر، وهذا يدل على أن الشارع بنى الأمر على هجر المعاني اللغوية، ونقل تلك الألفاظ إلى المعاني الحادثة من أول الأمر.
فلا يخفى ما فيه، من عدم وفائه بتمام المدعى، مع توجه المنع إلى الصغرى، بل أصل الاستعمال إن أريد بها ما يعم المعاملات ونحو ما ذكر من الألفاظ الملحقة بها كما يعلم بملاحظة ما سبق.
وأضعف منه الاستدلال أيضا بأن أهل البيت والصحابة وعلماء الأمصار في جميع الأعصار لم يزالوا يستدلون بما اشتمل عليه الكتاب والسنة، ولم ينكر عليهم أحد، فإن للخصم مجالا واسعا في دفعه: بإبداء كون اعتمادهم في ذلك على قرائن وجدوها مع الألفاظ، قاضية بإرادة المعاني الحادثة كما هو الغالب الذي تقدم الإشارة إلى بعضه.