الإعلام إلينا، المدعى انتفائه بفرض عدم تحقق التواتر، وعدم فائدة حصول العلم بنقل الواحد.
وفيه: إن مشاركتنا لهم في التكليف لا يقتضي نقل ذلك إلينا مسندا، وإنما يقتضي وجوب الفحص والتحري عما فهموه من هذه الألفاظ، ولو بالنظر فيما يكشف عن حصول الوضع الشرعي ثمة من الحجج الناهضة بثبوت الحقيقة الشرعية، وقد حصل بنهوض الحجة بذلك، هذا مع أن الدليل لو تم لقضى بنفي وضع التعيين، وإذا كان الكلام فيما يعمه ووضع التعين - كما تقدم إليه الإشارة، وهو المصرح به في كلام غير واحد - فلا ينهض بنفيه، لعدم منافاته وضع التعين الناشئ عن كثرة الاستعمالات المجازية.
وأما ما عرفته أخيرا من تقرير الدليل، فأجيب عنه: بأن التفهيم إن أريد به ما لا يتناول الترديد بتوهم اختصاصه بالتصريح، توجه المنع إلى الملازمة الأولى، لعدم عراء الوضع عن الفائدة مع حصول التفهيم بالترديد، وإن أريد به ما يتناوله أيضا، توجه المنع إلى الملازمة الثانية، لأن التفهيم بطريق الترديد ليس مظنة التواتر كما في التصريح، مع أن توفر الدواعي في نحو ذلك غير مسلم، كيف ولم ينقل بالتواتر ما هو أعظم من ذلك، كما لا يخفى.
[٥٤] قوله: (وعن الثاني: بالمنع من كونها غير عربية... الخ) هذا جواب عن الوجه الثاني من حجتي النافين، وتقريره ملخصا: إن هذه الألفاظ لو ثبت كونها حقائق لم تكن عربية، بملازمة: أن انتساب كل لفظ إلى لغة إنما هو لاستناد دلالته على معناه إلى الوضع الثابت له في هذه اللغة، والمفروض إن وضع هذه الحقائق ليس من واضع لغة العرب، فلا تكون عربية، واللازم باطل، لأنه يلزم على هذا التقدير أن لا يكون القرآن عربيا، لاشتماله عليها وعلى غيرها، فيكون نظير المركب من الداخل والخارج المحكوم عليه بكونه خارجا، واللازم باطل لقوله تعالى: ﴿إنا أنزلناه قرآنا عربيا﴾ (1).