ومنهم من قال: انه نهى عن ضده معنى (1).
والذي اذهب إليه ان الامر بالشئ ليس بنهي عن ضده لفظا واما من جهة المعنى فعلى المذهب الذي اخترناه وهو ان الامر يقتضى الايجاب (1) وإذا كان صادرا من حكيم دل على وجوب ذلك الشئ يقتضى ان تكون تركه قبيحا وسواء كان له ترك واحد أم تروك كثيرة في أنه يجب أن يكون كلها قبيحة إذا كان الامر مضيقا.
وان كان الامر مخيرا فيه بينه وبين ضد له اخر دل على أن ما عدا ذلك قبيح من تروكه.
وان لم يكن له الا ترك واحد فيجب القطع على أنه قبيح إذا لم يدل على أنه واجب مثله مخيرا فيهما.
الا ان مع هذا التفصيل أيضا لا يجوز ان يسمى نهيا عن ضده لان النهى من صفات الأقوال دون المعاني وليس كل ما علم قبحه سمى منهيا عنه الا على ضرب من المجاز.
والذي يدل على صحة ما اخترناه ان أهل اللغة فرقوا بين صيغة الامر وصيغة النهى فقالوا: صيغة الامر لمن دونه (افعل) والنهى قوله: (لا تفعل) وهما يدركان بحاسة السمع وليس يسمع من قوله: (افعل) (لا تفعل) فلا ينبغي ان يكون نهيا من حيث اللفظ لأنه لو كان كذلك لوجب ان يسمعا معا كما يسمع لو جمع بين اللفظين وقد علمنا خلاف ذلك.