فلعل المصلحة التي تقضي وجوب الرجم حدثت بعد نزول تلك الآيات والجواب: عن الثالث أنه نقل عن علي عليه السلام أنه كان يجمع بين الجلد والرجم وهو اختيار أحمد وإسحق وداود واحتجوا عليه بوجوه: أحدها: أن عموم هذه الآية يقتضي وجوب الجلد والخبر المتواتر يقتضي وجوب الرجم ولا منافاة فوجب الجمع وثانيها: قوله عليه السلام: " البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة ورجم بالحجارة " وثالثها: روى أبو بكر الرازي في أحكام القرآن عن ابن جريج عن ابن الزبير عن جابر " أن رجلا زنى بامرأة فأمر النبي صلى الله عليه وسلم فجلد ثم أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان محصنا فأمر به فرجم " ورابعها: روي أن عليا عليه السلام جلد شراحة الهمدانية ثم رجمها وقال جلدتها بكتاب الله ورجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
واعلم أن أكثر المجتهدين متفقون على أن المحصن يرجم ولا يجلد، واحتجوا عليه بأمور: أحدها: قصة العسيف فإنه عليه السلام قال: " يا أنيس اغد إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها " ولم يذكر الجلد ولو وجب الجلد مع الرجم لذكره وثانيها: أن قصة ماعز رويت من جهات مختلفة ولم يذكر في شيء منها مع الرجم جلد، ولو كان الجلد معتبرا مع الرجم لجلده النبي عليه السلام ولو جلده لنقل كما نقل الرجم إذ ليس أحدهما بالنقل أولى من الآخر، وكذا في قصة الغامدية حين أقرت بالزنا فرجمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن وضعت ولو جلدها لنقل ذلك وثالثها: ما روى الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس رضي الله عنهم قال قال عمر رضي الله عنه قد خشيت أن يطول بالناس زمان حتى يقول قائل لا نجد الرجم في كتاب الله تعالى فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله تعالى، وقد قرأنا: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموها البتة، رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجمنا بعده، فأخبر أن الذي فرضه الله تعالى هو الرجم ولو كان الجلد واجبا مع الرجم لذكره أما الجواب: عن التمسك بالآية فهو أنها مخصوصة في حق المحصن وتخصيص عموم القرآن بالخبر المتواتر غير ممتنع، وأما قوله عليه السلام: " الثيب بالثيب جلد مائة ورجم بالحجارة " فلعل ذلك كان قبل قوله: " يا أنيس اغد إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها " وأما أنه عليه السلام جلد امرأة ثم رجمها، فلعله عليه السلام ما علم إحصانها فجلدها، ثم لما علم إحصانها رجمها، وهو الجواب عن فعل علي عليه السلام، فهذا ما يمكن من التكلف في هذه الأجوبة والله أعلم.
المسألة الثانية: قال الشافعي رحمه الله يجمع بين الجلد والتغريب في حد البكر، وقال أبو حنيفة رحمه الله يجلد، وأما التغريب فمفوض إلى رأي الإمام، وقال مالك يجلد الرجل ويغرب وتجلد المرأة ولا تغرب، حجة الشافعي رحمه الله حديث عبادة أنه عليه السلام قال: " خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة ورجم بالحجارة " ويدل أيضا عليه ما روى أبو هريرة رضي الله عنه وزيد بن خالد: " أن رجلا جاء إلى