بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون * عالم الغيب والشهادة فتعالى عما يشركون * قل رب إما ترينى ما يوعدون * رب فلا تجعلنى فى القوم الظالمين * وإنا على أن نريك ما نعدهم لقادرون * ادفع بالتى هى أحسن السيئة نحن أعلم بما يصفون) *.
إعلم أنه سبحانه ادعى أمرين أحدهما: قوله: * (ما اتخذ الله من ولد) * وهو كالتنبيه على أن ذلك من قول هؤلاء الكفار، فإن جمعا منهم كانوا يقولون الملائكة بنات الله والثاني: قوله: * (وما كان معه من إله) * وهو قولهم باتخاذ الأصنام آلهة، ويحتمل أن يريد به إبطال قول النصارى والثنوية، ثم إنه سبحانه وتعالى ذكر الدليل المعتمد بقوله: * (إذا لذهب كل إله بما خلق، ولعلا بعضهم على بعض) * والمعنى لانفرد على (ذلك) كل واحد من الآلهة بخلقه الذي خلقه واستبد به، ولرأيتم ملك كل واحد منهم متميزا عن ملك الآخر، ولغلب بعضهم على بعض كما ترون حال ملوك الدنيا ممالكهم متميزة وهم متغالبون، وحيث لم تروا أثر التمايز في الممالك والتغالب، فاعلموا أنه إله واحد بيده ملكوت كل شيء. فإن قيل: * (إذا) * لا يدخل إلا على كلام هو جزاء وجواب، فكيف وقع قوله لذهب جزاء وجوابا؟ ولم يتقدمه شرط ولا سؤال سائل، قلنا الشرط محذوف وتقديره ولو كان معه آلهة، وإنما حذف لدلالة قوله: * (وما كان معه من إله) * عليه، ثم إنه سبحانه نزه نفسه عن قولهم بقوله: * (سبحان الله عما يصفون) * من إثبات الولد والشريك.
أما قوله: * (عالم الغيب والشهادة) * فقرئ بالجر صفة لله، وبالرفع خبر مبتدأ محذوف، والمعنى أنه سبحانه هو المختص بعلم الغيب والشهادة، فغيره وإن علم الشهادة فلن يعلم معها الغيب، والشهادة التي يعلمها لا يتكامل بها النفع إلا مع العلم بالغيب وذلك كالوعيد لهم، فلذلك قال: * (فتعالى عما يشركون) * ثم أمره سبحانه بالانقطاع إليه وأن يدعوه بقوله: * (رب إما تريني ما يوعدون * رب فلا تجعلني في القوم الظالمين) * قال صاحب " الكشاف ": ما والنون مؤكدتان، أي إن كان ولا بد من أن تريني ما تعدهم من العذاب في الدنيا أو في الآخرة، فلا تجعلني قرينا لهم ولا تعذبني بعذابهم، فإن قيل كيف يجوز أن يجعل الله نبيه المعصوم مع الظالمين حتى يطلب أن لا يجعله معهم؟ قلنا يجوز أن يسأل العبد ربه ما علم أنه يفعله، وأن يستعيذ به مما علم أنه لا يفعله إظهارا للعبودية وتواضعا لربه. وما أحسن قول الحسن في قول الصديق: وليتكم ولست بخيركم، مع أنه كان يعلم