ولا يفتقر فيه إلى لعانها ولا إلى حكم الحاكم، فإن حكم الحاكم به كان تنفيذا منه لا إيقاعا للفرقة. فلنتكلم في هذه المسائل:
المسألة الأولى: اختلف المجتهدون في وقوع الفرقة باللعان على أربعة أقوال: أحدها: قال عثمان البتي: لا أرى ملاعنة الزوج امرأته تقتضي شيئا يوجب أن يطلقها وثانيها: قال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد لا تقع الفرقة بفراغهما من اللعان حتى يفرق الحاكم بينهما وثالثها: قال مالك والليث وزفر رحمهم الله إذا فرغا من اللعان وقعت الفرقة وإن لم يفرق الحاكم ورابعها: قال الشافعي رحمه الله إذا أكمل الزوج الشهادة والالتعان فقد زال فراش امرأته ولا تحل له أبدا التعنت أو لم تلتعن، حجة عثمان البتي وجوه: أحدها: أن اللعان ليس بصريح ولا كناية عن الفرقة فوجب أن لا يفيد الفرقة كسائر الأقوال التي لا إشعار لها بالفرقة لأن أكثر ما فيه أن يكون الزوج صادقا في قوله وهو لا يوجب تحريما ألا ترى أنه لو قامت البينة عليها لم يوجب ذلك تحريما فإذا كان كاذبا والمرأة صادقة يثبت أنه لا دلالة فيه على التحريم وثانيها: لو تلاعنا فيما بينهما لم يوجب الفرقة فكذا لو تلاعنا عند الحاكم وثالثها: أن اللعان قائم مقام الشهود في قذف الأجنبيات فكما أنه لا فائدة في إحضار الشهود هناك إلا إسقاط الحد، فكذا اللعان لا تأثير له إلا إسقاط الحد ورابعها: إذا أكذب الزوج نفسه في قذفه إياها ثم حد لم يوجب ذلك فرقة فكذا إذا لاعن لأن اللعان قائم مقام درء الحد، قال وأما تفريق النبي صلى الله عليه وسلم بين المتلاعنين فكان ذلك في قصة العجلاني وكان قد طلقها ثلاثا بعد اللعان فلذلك فرق بينهما، وأما قول أبي حنيفة وهو أن الحاكم يفرق بينهما فلا بد من بيان أمرين: أحدهما: أنه يجب على الحاكم أن يفرق بينهما ودليله ما روى سهل بن سعد في قصة العجلاني مضت السنة في المتلاعنين أن يفرق بينهما ثم لا يجتمعان أبدا والثاني: أن الفرقة لا تحصل إلا بحكم الحاكم، واحتجوا عليه بوجوه: أحدها: روى في قصة عويمر أنهما لما فرغا " قال عويمر: كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها، هي طالق ثلاثا " فطلقها ثلاثا قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم، والاستدلال بهذا الخبر من وجوه: أحدها: أنه لو وقعت الفرقة باللعان لبطل قوله: " كذبت عليها إن أمسكتها " لأن إمساكها غير ممكن وثانيها: ما روي في هذا الخبر أنه طلقها ثلاث تطليقات فأنفذه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتنفيذ الطلاق إنما يمكن لو لم تقع الفرقة بنفس اللعان وثالثها: ما قال سهل بن سعد في هذا الخبر مضت السنة في المتلاعنين أن يفرق بينهما ولا يجتمعان أبدا، ولو كانت الفرقة واقعة باللعان استحال التفريق بعدها وثانيها: قال أبو بكر الرازي قول الشافعي رحمه الله خلاف الآية، لأنه لو وقعت الفرقة بلعان الزوج للاعنت المرأة وهي أجنبية وذلك خلاف الآية لأن الله تعالى إنما أوجب اللعان بين الزوجين وثالثها: أن اللعان شهادة لا يثبت حكمه إلا عند الحاكم فوجب أن لا يوجب الفرقة إلا بحكم الحاكم كما لا يثبت المشهود به إلا بحكم الحاكم ورابعها: