تعالى لما نص على كون تلك الواقعة إفكا وبالغ في شرحه فكل من يشك فيه كان كافرا قطعا وهذه درجة عالية، ومن الناس من قال قوله تعالى: * (لا تحسبوه شرا لكم) * خطاب مع القاذفين وجعله الله تعالى خيرا لهم من وجوه: أحدها: أنه صار ما نزل من القرآن مانعا لهم من الاستمرار عليه فصار مقطعة لهم عن إدامة هذا الإفك وثانيها: صار خيرا لهم من حيث كان هذا الذكر عقوبة معجلة كالكفارة وثالثها: صار خيرا لهم من حيث تاب بعضهم عنده، واعلم أن هذا القول ضعيف لأنه تعالى خاطبهم بالكاف، ولما وصف أهل الإفك جعل الخطاب بالهاء بقوله تعالى: * (لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم) * ومعلوم أن نفس ما اكتسبوه لا يكون عقوبة، فالمراد لهم جزاء ما اكتسبوه من العقاب في الآخرة والمذمة في الدنيا، والمعنى أن قدر العقاب يكون مثل قدر الخوض.
أما قوله: * (والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم) * ففيه مسائل:
المسألة الأولى: قرىء كبره بالضم والكسر وهو عظمه.
المسألة الثانية: قال الضحاك: الذي تولى كبره حسان ومسطح فجلدهما صلى الله عليه وسلم حين أنزل الله عذرها. وجلد معهما امرأة من قريش، وروي أن عائشة رضي الله عنها ذكرت حسانا وقالت: " أرجو له الجنة، فقيل أليس هو الذي تولى كبره؟ فقالت إذا سمعت شعره في مدح الرسول رجوت له الجنة " وقال عليه الصلاة والسلام: " إن الله يؤيد حسانا بروح القدس في شعره " وفي رواية أخرى " وأي عذاب أشد من العمى " ولعل الله جعل ذلك العذاب العظيم ذهاب بصره، والأقرب في الرواية أن المراد به عبد الله بن أبي بن سلول فإنه كان منافقا يطلب ما يكون قدحا في الرسول عليه السلام، وغيره كان تابعا له فيما كان يأتي، وكان فيهم من لا يتهم بالنفاق.
المسألة الثالثة: المراد من إضافة الكبر إليه أنه كان مبتدئا بذلك القول، فلا جرم حصل له من العقاب مثل ما حصل لكل من قال ذلك لقوله عليه الصلاة والسلام " من سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة " وقيل سبب تلك الإضافة شدة الرغبة في إشاعة تلك الفاحشة وهو قول أبي مسلم.
المسألة الرابعة: قال الجبائي قوله تعالى: * (لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم) * أي عقاب ما اكتسب، ولو كانوا لا يستحقون على ذلك عقابا لما جاز أن يقول تعالى ذلك، وفيه دلالة على أن من لم يتب منهم صار إلى العذاب الدائم في الآخرة، لأن مع استحقاق العذاب لا يجوز استحقاق الثواب والجواب: أن الكلام في المحابطة قد مر غير مرة فلا وجه للإعادة والله أعلم.
أما سبب النزول فقد روى الزهري عن سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وعلقمة بن أبي وقاص وعبيد الله بن عبد الله بن عقبة بن مسعود كلهم رووا عن عائشة قالت: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج اسمها خرج بها معه، قالت فأقرع بيننا في