المسألة الأولى: اختلفوا في قوله: * (إن الذين يرمون المحصنات الغافلات) * هل المراد منه كل من كان بهذه الصفة أو المراد منه الخصوص؟ أما الأصوليون فقالوا الصيغة عامة ولا مانع من إجرائها على ظاهرها فوجب حمله على العموم فيدخل فيه قذفة عائشة وقذفة غيرها، ومن الناس من خالف فيه ذكر وجوها: أحدها: أن المراد قذفة عائشة قالت عائشة: " رميت وأنا غافلة وإنما بلغني بعد ذلك، فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم عندي إذ أوحى الله إليه فقال أبشري وقرأ: * (إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات) *، وثانيها: أن المراد جملة أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنهن لشرفهن خصصن بأن من قذفهن فهذا الوعيد لاحق به واحتج هؤلاء بأمور: الأول: أن قاذف سائر المحصنات تقبل توبته لقوله تعالى في أول السورة: * (والذين يرمون المحصنات) * إلى قوله: * (وأولئك هم الفاسقون * إلا الذين تابوا) * (النور: 54) وأما القاذف في هذه الآية، فإنه لا تقبل توبته لأنه سبحانه قال: * (لعنوا في الدنيا والآخرة) * ولم يذكر الاستثناء، وأيضا فهذه صفة المنافقين في قوله: * (ملعونين أينما ثقفوا) * (الأحزاب: 61)، الثاني: أن قاذف سائر المحصنات لا يكفر، والقاذف في هذه الآية يكفر لقوله تعالى: * (يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم) * وذلك صفة الكفار والمنافقين كقوله: * (ويوم يحشر أعداء الله إلى النار) * (فصلت: 19) الآيات الثلاث. الثالث: أنه قال: * (ولهم عذاب عظيم) * والعذاب العظيم يكون عذاب الكفر، فدل على أن عقاب هذا القاذف عقاب الكفر، وعقاب قذفه سائر المحصنات لا يكون عقاب الكفر الرابع: روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان بالبصرة يوم عرفة، وكان يسأل عن تفسير القرآن، فسئل عن تفسير هذه الآية فقال: من أذنب ذنبا ثم تاب قبلت توبته إلا من خاض في أمر عائشة، أجاب الأصوليون عنه بأن الوعيد المذكور في هذه الآية لا بد وأن يكون مشروطا بعدم التوبة لأن الذنب سواء كان كفرا أو فسقا، فإذا حصلت التوبة منه صار مغفورا فزال السؤال، ومن الناس ذكر فيه قولا آخر، وهو أن هذه الآية نزلت في مشركي مكة حين كان بينهم وبين رسول الله عهد فكانت المرأة إذا خرجت إلى المدينة مهاجرة قذفها المشركون من أهل مكة. وقالوا إنما خرجت لتفجر، فنزلت فيهم والقول الأول هو الصحيح.
المسألة الثانية: أن الله تعالى ذكر فيمن يرمي المحصنات الغافلات المؤمنات ثلاثة أشياء: أحدها: كونهم ملعونين في الدنيا والآخرة وهو وعيد شديد، واحتج الجبائي بأن التقييد باللعن عام في جميع القذفة ومن كان ملعونا في الدنيا فهو ملعون في الآخرة والملعون في الآخرة لا يكون من أهل الجنة وهو بناء على المحابطة وقد تقدم القول فيه وثانيها: وقوله: * (يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون) * ونظيره قوله: * (وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا) * (فصلت: 21) وعندنا البنية ليست شرطا للحياة فيجوز أن يخلق الله تعالى في الجوهر الفرد علما وقدرة وكلاما، وعند المعتزلة لا يجوز ذلك فلا جرم ذكروا في تأويل هذه الآية وجهين: الأول: أنه سبحانه يخلق في هذه