عليه وسلم أن وقوع الجلد به يبطل شهادته من غير شرط التوبة في قبولها وثانيها: أن قوله عليه السلام: " المسلمون عدول بعضهم على بعض إلا محدود في قذف " ولم يشترط فيه وجود التوبة منه وثالثها: ما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تجوز شهادة محدود في الإسلام " قالت الشافعية هذا معارض بوجوه: أحدها: قوله عليه السلام: " إذا علمت مثل الشمس فاشهد " والأمر للوجوب فإذا علم المحدود وجبت عليه الشهادة ولو لم تكن مقبولة لما وجبت لأنها تكون عبثا وثانيها: قوله عليه السلام: " نحن نحكم بالظاهر " وههنا قد حصل الظهور لأن دينه وعقله وعفته الحاصلة بالتوبة تفيد ظن كونه صادقا وثالثها: ما روي عن عمر بن الخطاب " أنه ضرب الذين شهدوا على المغيرة بن شعبة وهم أبو بكرة ونافع ونفيع، ثم قال لهم من أكذب نفسه قبلت شهادته ومن لم يفعل لم أجز شهادته فأكذب نافع ونفيع أنفسهما وتابا وكان يقبل شهادتهما. وأما أبو بكرة فكان لا يقبل شهادته " وما أنكر عليه أحد من الصحابة فيه، فهذا تمام الكلام في هذه المسألة.
أما قوله تعالى: * (وأولئك هم الفاسقون) * فاعلم أنه يدل على أمرين: الأول: أن القذف من جملة الكبائر لأن اسم الفسق لا يقع إلا على صاحب الكبيرة الثاني: أنه اسم لمن يستحق العقاب لأنه لو كان مشتقا من فعله لكانت التوبة لا تمنع من دوامه كما لا تمنع من وصفه بأنه ضارب وبأنه رام إلى غير ذلك.
وأما قوله تعالى: * (إلا الذين تابوا) * فاعلم أنهم اختلفوا في أن التوبة عن القذف كيف تكون، قال الشافعي رحمه الله التوبة منه إكذابه نفسه، واختلف أصحابه في معناه فقال الأصطخري يقول: كذبت فيما قلت فلا أعود لمثله، وقال أبو إسحق لا يقول كذبت لأنه ربما يكون صادقا فيكون قوله كذبت كذبا والكذب معصية، والإتيان بالمعصية لا يكون توبة عن معصية أخرى، بل يقول القاذف باطلا ندمت على ما قلت ورجعت عنه ولا أعود إليه.
أما قوله: * (وأصلحوا) * فقال أصحابنا إنه بعد التوبة لا بد من مضي مدة عليه في حسن الحال حتى تقبل شهادته وتعود ولايته، ثم قدروا تلك المدة بسنة حتى تمر عليه الفصول الأربع التي تتغير فيها الأحوال والطباع كما يضرب للعنين أجل سنة، وقد علق الشرع أحكاما بالسنة من الزكاة والجزية وغيرهما.
وأما قوله تعالى: * (فإن الله غفور رحيم) * فالمعنى أنه لكونه غفورا رحيما يقبل التوبة وهذا يدل على أن قبول التوبة غير واجب عقلا إذ لو كان واجبا لما كان في قبوله غفورا رحيما، لأنه إذا كان واجبا فهو إنما يقبله خوفا وقهرا لعلمه بأنه لو لم يقبله لصار سفيها، ولخرج عن حد الإلهية. أما إذا لم يكن واجبا فقبله. فهناك تتحقق الرحمة والإحسان وبالله التوفيق.