تتقون * فقال الملؤا الذين كفروا من قومه ما هذا إلا بشر مثلكم يريد أن يتفضل عليكم ولو شآء الله لانزل ملائكة ما سمعنا بهذا فى ءابآئنا الاولين * إن هو إلا رجل به جنة فتربصوا به حتى حين) *.
قال قوم: إن نوحا كان اسمه يشكر، ثم سمي نوحا لوجوه: أحدها: لكثرة ما ناح على نفسه حين دعا على قومه بالهلاك، فأهلكهم بالطوفان فندم على ذلك وثانيها: لمراجعة ربه في شأن ابنه وثالثها: أنه مر بكلب مجذوم، فقال له إخسا يا قبيح، فعوتب على ذلك، فقال الله له: أعبتني إذ خلقته، أم عبت الكلب. وهذه الوجوه مشكلة لما ثبت أن الأعلام لا تفيد صفة في المسمى.
أما قوله: * (اعبدوا الله) * فالمعنى أنه سبحانه أرسله بالدعاء إلى عبادة الله تعالى وحده، ولا يجوز أن يدعوهم إلى ذلك إلا وقد دعاهم إلى معرفته أولا، لأن عبادة من لا يكون معلوما غير جائزة وإنما يجوز ويجب بعد المعرفة.
أما قوله: * (ما لكم من إله غيره) * فالمراد أن عبادة غير الله لا تجوز إذ لا إله سواه. ومن حق العبادة أن تحسن لمن أنعم بالخلق والإحياء وما بعدهما، فإذا لم يصح ذلك إلا منه تعالى فكيف يعبد ما لا يضر ولا ينفع؟ وقرئ غيره بالرفع على المحل وبالجر على اللفظ، ثم إنه لما لم ينفع فيهم هذا الدعاء واستمروا على عبادة غير الله تعالى حذرهم بقوله: * (أفلا تتقون) * لأن ذلك زجر ووعيد باتقاء العقوبة لينصرفوا عما هم عليه. ثم إنه سبحانه حكى عنهم شبههم في إنكار نبوة نوح عليه السلام.
الشبهة الأولى: قولهم: * (ما هذا إلا بشر مثلكم) * وهذه الشبهة تحتمل وجهين: أحدهما: أن يقال إنه لما كان مساويا لسائر الناس في القوة والفهم والعلم والغنى والفقر والصحة والمرض امتنع كونه رسولا لله، لأن الرسول لا بد وأن يكون عظيما عند الله تعالى وحبيبا له، والحبيب لا بد وأن يختص عن غير الحبيب بمزيد الدرجة والمعزة، فلما فقدت هذه الأشياء علمنا انتفاء الرسالة والثاني: أن يقال هذا الإنسان مشارك لكم في جميع الأمور، ولكنه أحب الرياسة والمتبوعية فلم يجد إليهما سبيلا إلا بادعاء النبوة، فصار ذلك شبهة لهم في القدح في نبوته، فهذا الاحتمال متأكد بقوله تعالى خبرا عنهم * (يريد أن يتفضل عليكم) * أي يريد أن يطلب الفضل عليكم ويرأسكم كقوله تعالى: * (وتكون لكما الكبرياء في الأرض) *.
الشبهة الثانية: قولهم: * (ولو شاء الله لأنزل ملائكة) * وشرحه أن الله تعالى لو شاء إرشاد البشر لوجب أن يسلك الطريق الذي يكون أشد إفضاء إلى المقصود، ومعلوم أن بعثة الملائكة أشد