يرسل ولكنه ألهم أو رأى في النوم، ومن الناس من قال: إن كل رسول نبي، وليس كل نبي يكون رسولا، وهو قول الكلبي والفراء. وقالت المعتزلة كل رسول نبي، وكل نبي رسول، ولا فرق بينهما، واحتجوا على فساد القول الأول بوجوه: أحدها: هذه الآية فإنها دالة على أن النبي قد يكون مرسلا، وكذا قوله تعالى: * (وما أرسلنا في قرية من نبي) * (الأعراف: 94)، وثانيها: أن الله تعالى خاطب محمدا مرة بالنبي ومرة بالرسول، فدل على أنه لا منافاة بين الأمرين، وعلى القول الأول المنافاة حاصلة وثالثها: أنه تعالى نص على أنه خاتم النبيين ورابعها: أن اشتقاق لفظ النبي إما من النبأ وهو الخبر، أو من قولهم نبأ إذا ارتفع، والمعنيان لا يحصلان إلا بقبول الرسالة. أما القول الثاني: فاعلم أن شيئا من تلك الوجوه لا يبطله، بل هذه الآية دالة عليه لأنه عطف النبي على الرسول، وذلك يوجب المغايرة وهو من باب عطف العام على الخاص. وقال في موضع آخر * (وكم أرسلنا من نبي في الأولين) * (الزخرف: 6) وذلك يدل على أنه كان نبيا، فجعله الله مرسلا وهو يدل على قولنا: " وقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم كم المرسلون؟ فقال ثلثمائة وثلاثة عشرة، فقيل وكم الأنبياء؟ فقال مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا الجم الغفير " إذا ثبت هذا فنقول: ذكروا في الفرق بين الرسول والنبي أمورا: أحدها: أن الرسول من الأنبياء من جمع إلى المعجزة الكتاب المنزل عليه، والنبي غير الرسول من لم ينزل عليه كتاب، وإنما أمر أن يدعو إلى كتاب من قبله والثاني: أن من كان صاحب المعجزة وصاحب الكتاب ونسخ شرع من قبله فهو الرسول، ومن لم يكن مستجمعا لهذه الخصال فهو النبي غير الرسول، وهؤلاء يلزمهم أن لا يجعلوا إسحق ويعقوب وأيوب ويونس وهارون وداود وسليمان رسلا لأنهم ما جاءوا بكتاب ناسخ والثالث: أن من جاءه الملك ظاهرا وأمره بدعوة الخلق فهو الرسول، ومن لم يكن كذلك بل رأى في النوم كونه رسولا، أو أخبره أحد من الرسال بأنه رسول الله، فهو النبي الذي لا يكون رسولا وهذا هو الأولى.
المسألة الثانية: ذكر المفسرون في سبب نزول هذه الآية أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما رأى إعراض قومه عنه وشق عليه ما رأى من مباعدتهم عما جاءهم به تمنى في نفسه أن يأتيهم من الله ما يقارب بينه وبين قومه وذلك لحرصه على إيمانهم فجلس ذات يوم في ناد من أندية قريش كثير أهله وأحب يومئذ أن لا يأتيه من الله شيء ينفروا عنه وتمنى ذلك فأنزل الله تعالى سورة * (والنجم إذا هوى) * (النجم: 1) فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ قوله * (أفرأيتم اللات والعزى * ومناة الثالثة الأخرى) * (النجم: 19، 20) ألقى الشيطان على لسانه " تلك الغرانيق العلى منها الشفاعة ترتجى " فلما سمعت قريش ذلك فرحوا ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في قراءته فقرأ السورة كلها فسجد وسجد المسلمون لسجوده وسجد جميع من في المسجد من المشركين فلم يبق في المسجد مؤمن ولا كافر إلا سجد سوى الوليد بن المغيرة وأبي أحيحة سعيد بن العاصي فإنهما أخذا حفنة من التراب من البطحاء ورفعاها إلى