استماع الأخبار فيه مدخل، ولكن لا يكمل هذان الأمران إلا بتدبر القلب لأن من عاين وسمع ثم لم يتدبر ولم يعتبر لم ينتفع البتة ولو تفكر فيها سمع لانتفع، فلهذا قال: * (فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) * كأنه قال لا عمى في أبصارهم فإنهم يرون بها لكن العمى في قلوبهم حيث لم ينتفعوا بما أبصروه، وههنا سؤالات:
السؤال الأول: قوله: * (أفلم يسيروا في الأرض) * هل يدل على الأمر بالسفر الجواب: يحتمل أنهم ما سافروا فحثهم على السفر ليروا مصارع من أهلكهم الله بكفرهم ويشاهدوا آثارهم فيعتبروا، ويحتمل أن يكونوا قد سافروا ورأوا ذلك ولكن لم يعتبروا فجعلوا كأن لم يسافروا ولم يروا. السؤال الثاني: ما معنى الضمير في قوله: * (فإنها لا تعمى الأبصار) * والجواب: هذا الضمير ضمير القصة والشأن يجيء مؤنثا ومذكرا وفي قراءة ابن مسعود * (فإنه) * ويجوز أن يكون ضميرا مبهما يفسره الأبصار.
السؤال الثالث: أي فائدة في ذكر الصدور مع أن كل أحد يعلم أن القلب لا يكون إلا في الصدر؟ الجواب: أن المتعارف أن العمى مكانه الحدقة، فلما أريد إثباته للقلب على خلاف المتعارف احتيج إلى زيادة بيان كما تقول: ليس المضاء للسيف ولكنه للسانك الذي بين فكيك، فقولك الذي بين فكيك تقرير لما ادعيته للسان وتثبيت، لأن محل المضاء هو هو لا غير، وكأنك قلت ما نفيت المضاء عن السيف وأثبته للسانك سهوا، ولكني تعمدته على اليقين. وعندي فيه وجه آخر وهو أن القلب قد يجعل كناية عن الخاطر والتدبر كقوله تعالى: * (إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب) * (ق: 37) وعند قوم أن محل التفكر هو الدماغ فالله تعالى بين أن محل ذلك هو الصدر.
السؤال الرابع: هل تدل الآية على أن العقل هو العلم وعلى أن محل العلم هو القلب؟ الجواب: نعم لأن المقصود من قوله: * (قلوب يعقلون بها) * العلم وقوله: * (يعقلون بها) * كالدلالة على أن القلب آلة لهذا التعقل، فوجب جعل القلب محلا للتعقل ويسمى الجهل بالعمى لأن الجاهل لكونه متحيرا بشبه الأعمى.
قوله تعالى * (ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون * وكأين من قرية أمليت لها وهى ظالمة ثم أخذتها وإلى المصير * قل يا أيها الناس إنمآ أنا لكم نذير مبين) *.