وفي الأخرى معصية، قالوا وما ذاك إلا القصد والإرادة، والمراد من القصد إيقاع تلك الأفعال لداعية الامتثال، وهذه الداعية لا يمكن حصولها إلا عند الحضور، فلهذا اتفقوا على أنه لا بد من الحضور، أما الفقهاء فقد ذكر الفقيه أبو الليث رحمه الله في تنبيه الغافلين: أن تمام القراءة أن يقرأ بغير لحن وأن يقرأ بالتفكر. وأما الغزالي رحمه الله فإنه نقل عن أبي طالب المكي عن بشر الحافي أنه قال: من لم يخشع فسدت صلاته. وعن الحسن رحمه الله: كل صلاة لا يحضر فيها القلب فهي إلى العقوبة أسرع. وعن معاذ بن جبل: من عرف من على يمينه وشماله متعمدا وهو في الصلاة فلا صلاة له. وروي أيضا مسندا قال عليه السلام: " إن العبد ليصلي الصلاة لا يكتب له سدسها ولا عشرها، وإنما يكتب للعبد من صلاته ما عقل منها ". وقال عبد الواحد بن زيد: أجمعت العلماء على أنه ليس للعبد من صلاته إلا ما عقل، وادعى فيه الإجماع إذا ثبت هذا فنقول هب أن الفقهاء بأسرهم حكموا بالجواز، أليس الأصوليون وأهل الورع ضيقوا الأمر فيها، فهلا أخذت بالاحتياط فإن بعض العلماء اختار الإمامة، فقيل له في ذلك فقال: أخاف إن تركت الفاتحة أن يعاتبني الشافعي، وإن قرأتها مع الإمام أن يعاتبني أبو حنيفة، فاخترت الإمامة طلبا للخلاص عن هذا الاختلاف والله أعلم.
الصفة الثالثة: قوله تعالى: * (والذين هم عن اللغو معرضون) * وفي اللغو أقوال: أحدها: أنه يدخل فيه كل ما كان حراما أو مكروها أو كان مباحا، ولكن لا يكون بالمرء إليه ضرورة وحاجة وثانيها: أنه عبارة عن كل ما كان حراما فقط، وهذا التفسير أخص من الأول وثالثها: أنه عبارة عن المعصية في القول والكلام خاصة، وهذا أخص من الثاني ورابعها: أنه المباح الذي لا حاجة إليه، واحتج هذا القائل بقوله تعالى: * (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم) * (المائدة: 89) فكيف يحمل ذلك على المعاصي التي لا بد فيها من المؤاخذة، واحتج الأولون بأن اللغو إنما سمي لغوا بما أنه يلغي وكل ما يقتضي الدين إلغاءه كان أولى باسم اللغو، فوجب أن يكون كل حرام لغوا، ثم اللغو قد يكون كفرا لقوله: * (لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه) * (فصلت: 26) وقد يكون كذبا لقوله: * (لا تسمع فيها لاغية) * (الغاشية: 11) وقوله: * (لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما) * (الواقعة: 25) ثم إنه سبحانه وتعالى مدحهم بأنهم يعرضون عن هذا اللغو والإعراض عنه، هو بأن لا يفعله ولا يرضى به ولا يخالط من يأتيه، وعلى هذا الوجه قال تعالى: * (وإذا مروا باللغو مروا كراما) * (الفرقان: 72) واعلم أنه سبحانه وتعالى لما وصفهم بالخشوع في الصلاة أتبعه الوصف بالإعراض عن اللغو، ليجمع لهم الفعل والترك الشاقين على الأنفس الذين هما قاعدتا بناء التكليف وهو أعلم.
الصفة الرابعة: قوله تعالى: * (والذين هم للزكاة فاعلون) * وفي الزكاة قولان: أحدهما: قول أبي مسلم: أن فعل الزكاة يقع على كل فعل محمود مرضي، كقوله: * (قد أفلح من تزكى) * (الأعلى: 14) وقوله: * (فلا تزكوا أنفسكم) * (النجم: 32) ومن جملته ما يخرج من حق المال، وإنما سمى بذلك لأنها تطهر من الذنوب لقوله