إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب اليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون (19) المكلف إذا أطاعه فقد لا يعلم أنه أطاعه، وحينئذ لا يبقى للطاعة فائدة، وأما من كان عالما لكنه لا يكون حكيما فقد يأمره بما لا ينبغي فإذا أطاعه المكلف فقد يعذب المطيع وقد يثيب العاصي، وحينئذ لا يبقى للطاعة فائدة، وأما إذا كان عليما حكيما فإنه لا يأمر إلا بما ينبغي ولا يهمل جزاء المستحقين، فلهذا ذكر هاتين الصفتين وخصهما بالذكر، وههنا سؤالات:
(الأول) الحكيم هو الذي لا يأتي بما لا ينبغي، وإنما يكون كذلك لو كان عالما بقبح القبيح وعالما بكونه غنيا عنه فيكون العليم داخلا في الحكيم، فكان ذكرا الحكيم مغنيا عنه. هذا على قوله المعتزلة، وأما على قول أهل السنة والجماعة فالحكمة هي العلم فقط، فذكر العليم الحكيم يكون تكرارا محضا (الجواب يحمل ذلك على التأكيد.
(السؤال الثاني) قالت المعتزلة دلت الآية على أنه إنما يجب قبول بيان الله تعالى لمجرد كونه عالما حكيما، والحكيم هو الذي لا يفعل القبائح فتدل الآية على أنه لو كان خالقا للقبائح لما جاز الاعتماد على وعده ووعيده (والجواب) الحكيم عندنا هو العليم، وإنما يجوز الاعتماد على قوله لكونه عالما بكل المعلومات، فان الجاهل لا اعتماد على قوله البتة.
(السؤال الثالث) قالت المعتزلة قوله (يبين الله لكم) أي لأجلكم، وهذا يدل على أن أفعاله معللة بالأغراض، ولان قوله (لكم) لا يجوز حمله على ظاهره لأنه ليس الغرض نفس ذواتهم بل الغرض حصول انتفاعهم وطاعتهم وإيمانهم، فدل هذا على أنه تعالى يريد الايمان من الكل (والجواب) المراد أنه سبحانه فعل بهم ما لو فعله غيره لكان ذلك غرضا.
(النوع السابع) قوله تعالى (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الدين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة، والله يعلم وأنتم لا تعلمون) اعلم أنه سبحانه لما بين ما على أهل الإفك وما على من سمع منهم، وما ينبغي أن يتمسكوا به من آداب الدين أتبعه بقوله (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة) ليعلم أن من أحب ذلك فقد أظهره، فكذلك يستحقون العقاب بما أسروه من محبة إشاعة الفاحشة في المؤمنين، وذلك يدل (المسألة الأولى) معنى الإشاعة الانتشار يقال في هذا العقار سهم شائع إذا كان في الجميع ولم يكن منفصلا، وشاع الحديث إذا ظهر في العامة.