المسألة الخامسة: قال الشافعي رحمه الله، الناس في النكاح قسمان منهم من تتوق نفسه في النكاح فيستحب له أن ينكح إن وجد أهبة النكاح سواء كان مقبلا على العبادة أو لم يكن كذلك، ولكن لا يجب أن ينكح، وإن لم يجد أهبة النكاح يكسر شهوته لما روى عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإن الصوم له وجاء، أما الذي لا تتوق نفسه إلى النكاح فإن كان ذلك لعلة به من كبر أو مرض أو عجز يكره له أن ينكح، لأنه يلتزم ما لا يمكنه القيام بحقه، وكذلك إذا كان لا يقدر على النفقة وإن لم يكن به عجز وكان قادرا على القيام بحقه لم يكره له النكاح، لكن الأفضل أن يتخلى لعبادة الله تعالى، وقال أبو حنيفة رحمه الله: النكاح أفضل من التخلي للعبادة، وحجة الشافعي رحمه الله وجوه: أحدها: قوله تعالى: * (وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين) * (آل عمران: 39) مدح يحيى عليه السلام بكونه حصورا والحصور الذي لا يأتي النساء مع القدرة عليهن، ولا يقال هو الذي لا يأتي النساء مع العجز عنهن، لأن مدح الإنسان بما يكون عيبا غير جائز، وإذا ثبت أنه مدح في حق يحيى وجب أن يكون مشروعا في حقنا لقوله تعالى: * (أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده) * ولا يجوز حمل الهدى على الأصول لأن التقليد فيها غير جائز فوجب حمله على الفروع وثانيها: قوله عليه الصلاة والسلام: " استقيموا ولن تحصوا واعلموا أن أفضل أعمالكم الصلاة " ويتمسك أيضا بما روي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: " أفضل أعمال أمتي قراءة القرآن " وثالثها: أن النكاح مباح لقوله عليه الصلاة والسلام: " أحب المباحات إلى الله تعالى النكاح " ويحمل الأحب على الأصلح في الدنيا لئلا يقع التناقض بين كونه أحب وبين كونه مباحا، والمباح ما استوى طرفاه في الثواب والعقاب، والمندوب ما ترجح وجوده على عدمه فتكون العبادة أفضل ورابعها: أن النكاح ليس بعبادة بدليل أنه يصح من الكافر والعبادة لا تصح منه، فوجب أن تكون العبادة أفضل منه لقوله تعالى: * (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) * (الذاريات: 56) والاشتغال بالمقصود أولى وخامسها: أن الله تعالى سوى بين التسري والنكاح ثم التسري مرجوح بالنسبة إلى العبادة ومساوي المرجوح مرجوح، فالنكاح مرجوح، وإنما قلنا إنه سوى بين التسري والنكاح لقوله تعالى: * (فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم) * (النساء: 3) وذكر كلمة أو للتخيير بين الشيئين، والتخيير بين الشيئين أمارة التساوي، كقول الطبيب للمريض كل الرمان أو التفاح، وإذا ثبت الاستواء فالتسري مرجوح، ومساوي المرجوح مرجوح، فالنكاح يجب أن يكون مرجوحا وسادسها: أن النافلة أشق فتكون أكثر ثوابا بيان أنها أشق أن ميل الطباع إلى النكاح أكثر، ولولا ترغيب الشرع لما رغب أحد في النوافل، وإذا ثبت أنها أشق وجب أن تكون أكثر ثوابا لقوله عليه الصلاة والسلام: " أفضل العبادات أحمزها " وقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة: " أجرك على قدر نصبك " وسابعها: لو كان النكاح مساويا للنوافل في الثواب مع
(٢١٢)