من النساء إن دينهن واحد وإن افترق تكليفهما فكذا ههنا، ويدل على ذلك قوله: * (وأنا ربكم فاتقون) * فكأنه نبه بذلك على أن دين الجميع واحد فيما يتصل بمعرفة الله تعالى واتقاء معاصيه فلا مدخل للشرائع، وإن اختلفت في ذلك.
المسألة الثانية: قرىء وإن بالكسر على الاستئناف وإن بمعنى ولأن وإن مخففة من الثقيلة وأمتكم مرفوعة معها.
أما قوله تعالى: * (فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا) * فالمعنى فإن أمم الأنبياء عليهم السلام تقطعوا أمرهم بينهم وفي قوله: * (فتقطعوا) * معنى المبالغة في شدة اختلافهم والمراد بأمرهم ما يتصل بالدين.
أما قوله * (زبرا) * فقرئ زبرا جمع زبور أي كتبا مختلفة يعني جعلوا دينهم أديانا وزبرا قطعا استعيرت من زبر الفضة والحديد وزبرا مخففة الباء كرسل في رسل قال الكلبي ومقاتل والضحاك يعني مشركي مكة والمجوس واليهود والنصارى. أما قوله تعالى: * (كل حزب بما لديهم فرحون) * فمعناه أن كل فريق منهم مغتبط بما اتخذه دينا لنفسه معجب به يرى المحق أنه الرابح، وأن غيره المبطل الخاسر، ولما ذكر الله تعالى تفرق هؤلاء في دينهم أتبعه بالوعيد، وقال: * (فذرهم في غمرتهم) * حين حتى الخطاب لنبينا صلى الله عليه وسلم يقول: " فدع هؤلاء الكفار في جهلهم والغمرة الماء الذي يغمر القامة فكأن ما هم فيه من الجهل والحيرة صار غامرا ساترا لعقولهم "، وعن علي عليه السلام: * (في غمراتهم حتى حين) * وذكروا في الحين وجوها: أحدها: إلى حين الموت وثانيها: إلى حين المعاينة وثالثها: إلى حين العذاب، والعادة في ذلك أن يذكر في الكلام، والمراد به الحالة التي تقترن بها الحسرة والندامة، وذلك يحصل إذا عرفهم الله بطلان ما كانوا عليه وعرفهم سوء منقلبهم، ويحصل أيضا عند المحاسبة في الآخرة، ويحصل عند عذاب القبر والمساءلة فيجب أن يحمل على كل ذلك.
ولما كان القوم في نعم عظيمة في الدنيا جاز أن يظنوا أن تلك النعم كالثواب المعجل لهم على أديانهم، فبين سبحانه أن الأمر بخلاف ذلك، فقال: * (أيحسبون أن ما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات) * قرىء يمدهم ويسارع بالياء والفاعل هو الله سبحانه وفي المعنى وجهان: أحدهما: أن هدا الإمداد ليس إلا استدراجا لهم في المعاصي، واستجرارا لهم في زيادة الإثم وهم يحسبونه مسارعة في الخيرات وبل للاستدراك لقوله: * (أيحسبون) * يعني بل هم أشباه البهائم لا فطنة لهم ولا شعور حتى يتفكروا في ذلك، أهو استدراج أم مسارعة في الخير، وهذه الآية كقوله: * (ولا تعجبك أموالهم وأولادهم) * (التوبة: 85) روي عن يزيد بن ميسرة: أوحى الله تعالى إلى نبي من الأنبياء " أيفرح عبدي أن أبسط له الدنيا وهو أبعد له مني، ويجزع أن أقبض عنه الدنيا وهو أقرب له مني " ثم تلا: * (أيحسبون أن ما نمدهم به من مال وبنين) * وعن الحسن: لما أتى عمر بسوار كسرى فأخذه ووضعه في يد سراقة فبلغ منكبه. فقال عمر اللهم إني قد علمت أن نبيك عليه الصلاة